إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (58)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يدعو الله عز وجل عباده المؤمنين بالمسارعة إلى مغفرته وجنته، وهذا لا يكون إلا بالمسارعة إلى التوبة والاستغفار والندم والبعد عن المعاصي، والعمل بما يوجب للعبد دخول الجنة من الأعمال الصالحة؛ كالإنفاق في سبيل الله في السراء والضراء، والتخلق بالأخلاق الحسنة من كظم الغيظ والعفو والإحسان.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال -فداه أبي وأمي-صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا، فإنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وها نحن مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الخمس، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136].

    هيا نكرر تلاوة الآيات مرة أخرى، والمستمعون والمستمعات يتأملون ويتدبرون لاستخراج المعاني التي تحملها هذه الآيات النورانية: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:133-136]، اللهم اجعلنا منهم، آمين، إذ إن لله نفحات، فإذا سمعت الداعي يدعو فقل: آمين لتشاركه في الأجر وفي الجزاء.

    أمر الله تعالى لعباده بالمسارعة إلى التوبة النصوح لمغفرة ذنوبهم

    معاشر المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، أمر موجه إلى عباده المؤمنين الذين ناداهم في الآيات الماضية، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:130-132]، ثم قال: وَسَارِعُوا [آل عمران:133]، فنحن مأمورون بأن نستجيب، فهيا نبادر قبل فوات الوقت، وقرئت في السبع: (سارعوا) بدون واو العطف، وقرئت بالواو: (وسارعوا)، والكل واحد.

    والمسارعة: المبادرة في عجلة دون توانٍ ولا انتظار ولا تأمل، والمسارعة تكون: إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، والمسارعة إلى المغفرة: هي المبادرة إلى التوبة، وكأنما قال: عجلوا فتوبوا إلى ربكم، فأمرنا ألا نأكل الربا، وأمرنا بطاعته وطاعة رسوله، ووعدنا بالرحمة والفلاح، إذاً فعجلوا إلى الهدف.

    وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، والمسارعة إلى المغفرة هي المسارعة إلى التوبة والاستغفار والندم والإقلاع والعزم ألا نعود لهذا الذنب، فهذه هي التي أُمرنا بالمسارعة إليها، أي: إلى المغفرة، فهيا نسارع إلى مغفرة ذنوبنا، وذلك بالإعلان عن التوبة، وبالاستغفار والندم والإقلاع والبعد عن المعصية، سواء كانت من كبائر الذنوب أو صغائرها.

    ثم أيضاً إلى أين؟ قال تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، ونسارع أيضاً إلى جنة عرضها السموات والأرض.

    إذاً: تقرر عندنا وعلمنا وفهمنا واقتنعنا وأصبحنا موقنين بأن الجنة دار السلام لا يدخلها إلا الطيبون الأطهار الأصفياء فقط، ولا يدخل الجنة من عليه أوضار الذنوب وأوساخ الآثام، فإن أردت يا عبد الله! الجنة دار السلام ادخل الحمام، فتطهر وتنظف واغتسل وتطيب ثم تفضل، أما أن تدخل الجنة بالعفن وبالرائحة الكريهة والله ما كان.

    فالذي يأكل أموال الناس يجب أن يسارع إلى التوبة ليُغفر ذنبه، بل لا يبيت الليلة إلا وقد بادر إلى التوبة؛ لأن الجنة دار السلام لا يدخلها إلا الأطهار الأصفياء، ومن هنا دعانا ربنا تعالى رحمة بنا وشفقة علينا أن نتطهر من ذنوبنا، وبعد ذلك تفضلوا إلى الجنة التي أعدت وأحضرت -من زمان- للمتقين.

    وإن سأل سائل فقال: ما هي التوبة؟ فالجواب: التوبة تعني: الرجوع إلى الحق والاعتراف به، والاستغفار، والندم، والعزم ألا يعود أبداً إلى ذلك الذنب، فإن كان الذنب هو أخذ أموال الناس أو سفك دمائهم أو نهش أعراضهم؛ فلا توبة تصح حتى يتحلل منهم، فإن كان قادراً على سداد المال رده، وإن كان عاجزاً عن ذلك طلب منهم العفو والرجاء والانتظار، وإن كان عِرضاًً طلب العفو والمسامحة، وإن كان دماً أراقه كذلك قدَّم نفسه ليراق دمه أو يعفى عنه، وهذه حقيقة لا بد منها، أما إذا كان الذنب بينك وبين الله -كما ذكرنا- كأن تركت واجباً، فالتوبة تعني: الندم والاستغفار وفعل الواجب، وإن كان الذنب ارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، أو معصية من معاصي الله والرسول، فالتوبة تعني: الندم والاستغفار والعزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب.

    وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، فأولاً: التطهير، ثم بعد ذلك دخول الفردوس، أما وأنت ملوث فلا.

    وَجَنَّةٍ [آل عمران:133]، أي: وإلى جنة، عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، قال العلماء وعلى رأسهم الحبر عبد الله بن عباس: لو أخذنا السموات رقعة إلى جنب الأخرى وألصقناها بها، وفعلنا بالأرضين كذلك، فإن عرض الجنة أكثر من هذا! أما الطول فلا يعلمه إلا الله، إذ العرض في الغالب مبني على الطول، فإذا كان العرض-مثلاً-ذراعاً فالطول لا شك أنه ستة أذرع، أما لو قال: (وجنة طولها كذا)، فقد يكون الشخص طويلاً ورقيقاً كالحبل، أو سلكاً رقيقاً من المدينة إلى أمريكا، فأي عرض له؟! ما له عرض، لكن إذا ذكرت العرض، فإن الطول ضروري وهو فوق ما تتصور!

    كما قد عرفنا وقلنا دائماً حتى نتصور قعر عالم الشقاء: هيا نغمض أعيننا ونضع رؤؤسنا بين ركبنا ولنفكر ولنقل: نازل، نازل، نازل، إلى أين؟! كلَّ العقل واندهش، فهل فهمتم هذه أم لا؟ إن عالم الشقاء المعبر عنه بالنار-دار البوار-أعلمَ تعالى أنه أسفل: قال تعالى: رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ [التين:5]، فهذا السفل فكر فيه، أما الجنة دار السلام فهي فوق السماء السابعة، وسقفها هو عرش الرحمن، وسيأتي يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم:48]، يوم يطوي السماء كطي السجل للكتب، عند ذلك فقد انتهت السموات وانتهت الأرضون، وبقي العالمان: عالم السعادة العلوي، وعالم الشقاء السفلي، وسعة هذا العالم لا يحده عقلك، فقل: آمنت بالله.

    وقد علمنا أيضاً: أن آخر من يدخل الجنة من أهل الذنوب الذين كانوا في النار أحقاباً يعطى مثل الدنيا مرتين، أي: مثل هذا الكوكب مرتين، وقلنا: إن هذه الكواكب لا تعد ولا يحصي عددها إلا الله، فلو وزعنا هذه الكواكب على أهل الجنة، فأخذ كل واحد كوكباً أو عشرة كواكب، فإنه سيبقي الكثير منها! فلا إله إلا الله! أين نحن؟ أتدرون أين نحن؟ نحن في رحم الدنيا، أتعرفون رحم المرأة الذي خرجتم منه أم لا؟ رحم المرأة عرضه أو طوله ستة سنتيمتر، فلو يمكنك أن تتصل بالجنين في الشهر التاسع -عندما يتخلق- وقلت له: ويحك يا هذا! إنك في رحم ضيق منتن، اخرج إلى سعة، فإنه سيضحك، وسيقول: هذا الذي يخاطبني مجنون! أين يوجد هذا العالم الذي تعنيه؟ فلا تستطيع أن تقنعه أبداً إلا إذا آمن كما آمنا نحن بالغيب، فهو لا يفهم أن وراء هذا الرحم شيء واسع جداً، وإن قلت له مرة أخرى -وهو محفوظ في تلك الدماء-: إنك في رحم ووسط بطن أمك في ذراع طول وعرض، ووراء هذا البطن غرفة أو حجرة، ووراء هذا البطن كذا وكذا، فإنه سيزداد كفراً وتكذيباً، وكذلك هذه هي الحياة كلها، فالآن حياتنا هذه والله لأقل من الرحم، والآن الملاحدة والكفار لا يؤمنون إلا بهذا فقط، أي: بالمشاهدات، أما وراء هذا العالم عوالم فلا، فهي خرافات، وبالتالي فالملاحدة لا يؤمنون بعالم السعادة وعالم الشقاء، لا يؤمنون بعرش الرحمن وكرسي السموات، وإنما لا يؤمنون إلا بهذا المحيط الذي يحيط بهم، فهم محصورون فيه، وهي أضيق من الرحم!

    إذاً: قال: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]؛ لأنه يريد تعالى رحمة بعباده أن يعلمهم، أن يعرفهم؛ حتى يعرفوا ويفهموا ويعلموا.

    المتقون هم أهل الجنة وورثتها بحق

    قال تعالى: أُعِدَّتْ [آل عمران:133]، أي: هيئت وأحضرت، والإعداد شيء خاص، كإعداد الضيافة للضيف.

    أُعِدَّتْ [آل عمران:133]، لمن؟ لبني هاشم؟! لبني إسرائيل؟! لبني تميم؟! كل ذلك لا، إنما أعدت للمتقين، فلا يدخل الفاجر، والأمر واضح.

    إذاً: فعلموا البشرية أن الجنة دار السلام تورث، لكن لا بالنسب ولا بالمصاهرة ولا بالولاء لغير الله تعالى -الإرث أسبابه ثلاثة: إما نسب، وإما صهر، وإما ولاء- وإنما ورثتها معروفون، قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]، وعرف هذا إبراهيم عليه السلام، وسمعناه في ضراعته وبكائه يقول: ربـ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، فالجنة تورث وسبب إرثها التقوى، فاتق الله يا عبد الله، وحافظ على تقواك حتى تلقى مولاك، فأنت من الورثة للجنة، فإن فجرت يا عبد الله فقد خرجت عن طريق الله، وحرمت من هذا الإرث أحببت أم كرهت.

    أُعِدَّتْ [آل عمران:133]، لمن؟ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، لو قال: لأهل البيت، لبني هاشم، لبني فلان أو علان لتململ البشر، إذ المتقي ليس بيض الوجوه أو سمرها أو حمرها أو سودها، أو قصار الأبدان أو طولها، أو أغنياء الناس أو فقرائهم، اترك هذا كله ولا تلتفت إليه، وإنما فقط: هل هو تقي أو فاجر؟ والسر في أن التقوى هي التي تورث الجنة: أن التقوى تزكي النفس وتطهرها، والله قد أصدر حكمه فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أي: طيبها وطهرها، وكيفية ذلك أن التقوى حقيقتها خوف من الله تعالى يحمل الخائف على أن يمتثل أوامر الله، فيفعل ما يفعل ويعتقد ما يعتقد ويقول ما يقول، فهذه هي التي تزكي النفس، أيضاً خاف من الله فترك معاصيه، فلم يقارف الذنوب التي تلطخ النفس وتعفنها، وإن زلت قدمه يوماً تاب وصقلها وصفاها وحافظ على ذلك، وعند ذلك أصبح الوارث بحق.

    وبالتالي فالمتقي عبد خاف من عذاب الله وغضبه وسخطه فأطاعه، وفعل ما أمره أن يفعله، وقال ما أمر أن يقوله، واعتقد ما أراد أن يعتقده، وذلك الاعتقاد والقول والفعل هي والله بمثابة الماء والصابون لتزكية النفس وتطهيرها، فإذا أضاف إلى ذلك اجتناب ما حرم الله من اعتقاد وقول وعمل، فقد احتفظ إذاً بالطهارة والزكاة، أما إذا صلى وسرق، صام وزنا، فهو يوجد له زكاة ثم يلطخها، فلو مات قبل التوبة هلك، إذ إن فعل المأمورات عبارة عن أدوات تزكية وتطهير، واجتناب المنهيات والبعد عنها معناه المحافظة على تلك الزكاة والطهر والصفاء حتى لا يلوث ويفسد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088479309

    عدد مرات الحفظ

    776930890