إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (67)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله عز وجل من حال الرماة يوم أحد أنهم لما رأوا غلبة المسلمين ورجحان كفتهم على أعدائهم من المشركين، أرادت طائفة منهم النزول إلى ميدان المعركة لجمع الغنائم مع إخوانهم، وهذه الطائفة التي ذكر الله عنها أنها تريد الدنيا وإدراك الغنيمة، أما الطائفة الأخرى فرأت أن من واجبها التزام أمر رسول الله بالمكث على الجبل حتى يأتيهم أمر من رسول الله بالنزول، وهذه الطائفة هي التي أخبر الله عنها أنها تريد الآخرة، فنزل من نزل وبقي من بقي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، من ابتلاء المسلمين وتسلط عدوهم عليهم.
    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    قبل أن نشرع في إكمال تفسير الآيتين اللتين أخذناهما يوم أمس، أقدم هذه المقدمة فأقول: معشر المستمعين! قد تكرر القول: بأن التدخين حرام ومن كبائر الذنوب والآثام، وأن التدخين عادة سيئة انتقلت إلينا من أوروبا الهابطة، وما كان المسلمون يعرفون التدخين بأي صورة من صوره، لكن لما حكمونا وسادونا ودخلوا ديارنا وقادونا تركوا فينا هذه الرذيلة الخبيثة؛ لجهلهم وعدم بصيرتهم، وقد ذكرنا والكل يذكر ولا ينسى: أن جميع الشرائع الإلهية السماوية جاءت بالمحافظة على خمس كليات: العقل والعرض والدين والمال والبدن، وبالتالي فكل ما يؤذي واحدة من هذه فهو حرام، ولا تبحث عن الدليل لا من الكتاب ولا من السنة، إذ كل ما يضر بعرض الآدمي أو ببدنه أو بماله أو بدينه أو بعقله فهو حرام، والتدخين بجميع صوره يضر بهذه الخمس كلها.

    فأولاً: ضرره بالبدن، فقد عقدت ندوات ومؤتمرات طبية في أوروبا بشأن التدخين، وتوصلوا إلى أن نسبة الذين يموتون متأثرين بالسرطان الرئوي نتيجة التدخين خمسة وسبعون بالمائة، فإذا كان خمسة وسبعون بالمائة يهلكون بسبب التدخين، فهل يبقى من يقول: يجوز التدخين؟! وقلنا: لو كانت هناك مائة رحلة بالطائرة من القاهرة إلى المدينة، وخمسة وسبعون رحلة تسقط، وخمسة عشرون تنجو، فهل ستجدون من يفتي بجواز ركوب الطائرة؟ والله لا يوجد أبداً، بينما خمسة وسبعون بالمائة يموتون بالسرطان الرئوي شيء عادي!.

    ثانياً: ضرره بالعقل، إذ هو الجوهرة التي يحافظ عليها الآدمي، فإذا فقدت أصبح حيواناً لا خير فيه، ولذلك يجب على الإنسان أن يحافظ عليه من كل ما يضر به، كالسحر والكذب والشعوذة والدجل والمسكرات والمخدرات؛ لأن العقل هو ميزة هذا الآدمي، فإذا مُسَّ بسوء هبط الإنسان، ومن الأمثلة على ذلك: أن الموظف المدمن على التدخين، تدخل عليه في نهار رمضان لحاجتك فتراه شبه نائم ويقول: دعني، انتظر قليلاً؛ لأنه صائم ولم يدخن.

    ثالثاً: ضرره بالدين، فالمسلم يرضى أن يقتل ويصلب ويحرق ولا يفسد دينه، إذ هو سُلم صعوده إلى السماء، وبالتالي فكل ما يمس بالدين ويضر به ليفسده فهو حرام.

    كما قد ذكرت لكم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاعوا في غزوة من الغزوات، فكبوا على بستان أو مزرعة فيها البصل والثوم، فأكلوا الثوم والبصل لسد الجوعة، فلما وصلوا إلى المدينة أعلن القائد صلى الله عليه وسلم فقال: ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مسجدنا )، وعلل -وهو الحكيم- فقال: ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )، والإنسان يتأذى من رائحة التدخين ويكرهها ولا يقبلها، وكذلك الملائكة وخاصة الكرام الكاتبين الذين وكلهم الله بتسجيل وكتابة حسناتك وسيئاتك، فهذا عن يمينك وهذا عن شمالك، والرسول يقول: ( من أراد أن يبصق فلا يبصق عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق بين يديه أو تحت قدمه )، لا عن شماله ولا عن يمينه، فانظر للذي يدخن يقول: أف في وجه ملك، فكيف تكون حال هذا الملك؟ لو يدعو الله عليه لاحترق.

    وكل هذا قد جهله المسلمون ولم يلتفتوا إليه، والحمد لله فقد أفاق المؤمنون والمؤمنات، ففي المدينة والله كان النساء يدخن والعياذ بالله، والآن هذه الإفاقة وهذه العودة نشاهدها، وقد كنا إذا جلسنا في مأدبة فإن صاحب المأدبة يضع علباً أو طفايات، فتنظر إلى الجالسين من إخوانك فتجد ثلاثة أرباع الحاضرين يدخنون، والذي لا يدخن ربعهم، والآن ما أصبحت توضع الطفايات، وما أصبح أحد يجرؤ أن يدخن، فإذا اضطر فإنه يدخل للمرحاض ويدخن.

    وهذه بشرى أزفها إليكم، وهي أن المسئولين -جزاهم الله خيراً- قد وضعوا في باب المجيدي أو باب السلام المصحات لعلاج التدخين، وذلك في خلال خمسة أيام فقط، فتنسى التدخين نهائياً، فمن استطاع أن يتخلى عن التدخين من الآن فليرمي بالسيجارة أو العلبة ويدوسها برجله، ومن عجز لما اعتاده فليأت هذه المصحات ليُعالج عندهم مجاناً، سواء كان مقيماً أو مهاجراً أو وطنياً، ويُشفى بإذن الله تعالى ويصبح يكره التدخين، وحتى في المستشفيات والمصحات توجد هذه العيادة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529429

    عدد مرات الحفظ

    777151067