إسلام ويب

تفسير سورة العنكبوت (12)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن مدرسة لأتباعه، يرشدنا الله فيه إلى حسن المعاملة مع أهل الكتاب، وأن نجادلهم بالتي هي أحسن ولا نسارع برد ما يقولون، بل نؤمن بكل ما أنزل إلينا وإليهم مما لم تتسلل إليه يد التحريف، ونعلن الخضوع لربنا وربهم سبحانه، ومن هنا تظهر جلالة هذا الكتاب وشمولية أحكامه، ولذا فإن المنصفين من أهل الكتاب بل حتى الكفار يؤمنون به وبمن أنزل إليه، كيف لا وهم يرون هذا النور العظيم والصراط المستقيم ينزل على من لا يقرأ ولا يكتب، وإنما كفر به من كفر بسبب جهله وظلمه، وإلا فأهل العلم لا يمترون فيه ولا يعرضون عنه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وما زلنا مع آيات سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:46-49]. ‏

    النهي عن مجادلة أهل الكتاب

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

    قول ربنا جل ذكره: وَلا تُجَادِلُوا [العنكبوت:46]، ينهانا ربنا عز وجل في هذه الآية الكريمة عن ماذا؟ عن جدال أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46].

    ومن غريب الآية: أنها مكية وأخبرت بما سيكون في المستقبل، فليس في مكة أهل كتاب ولا من يجادل، لكن سوف تهاجرون وتتصلون باليهود في المدينة والنصارى في الشام.

    وهذا من إخبار الغيب الذي وقع كما أخبرت الآية، والسورة مكية وليس في مكة جدال لأهل الكتاب ولا وجود لهم، لكن في المستقبل بعد عشر سنوات تم هذا.

    المقصود بأهل الكتاب

    وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ [العنكبوت:46]، والمراد من أهل الكتاب: اليهود والنصارى لا غير.

    وقيل فيهم أهل كتاب؛ لأن اليهود بأيديهم التوراة وهم أهلها، والنصارى بأيديهم الإنجيل وهم أهله، فلهذا هم أهل الكتاب، أي: أصحاب الكتاب.

    والمراد من الكتاب: التوراة والإنجيل.

    معنى قوله تعالى: (إلا بالتي هي أحسن)

    وقوله: إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]، أي: بالكلمة الطيبة.. بالحجة الباهرة.. بالدليل القطعي.. بوجه طلق وابتسامة، فإن قبلوا واستجابوا فهنيئاً لهم، وإن لم يقبلوا ويستجيبوا فيا خسرانهم، وما أنتم بمسئولين عنهم.

    أما الغلظة والشدة فلا، دعوتنا إلى الله تكون بالتي هي أحسن، سواء مع اليهود والنصارى أو مع غيرهم.

    هذا تأديب الله للمؤمنين وتربية لهم وتعليم، وقد تعلم وتربى ودخل في الإسلام ملايين الناس، فالذين أسلموا وهم أكثر الناس لم يسلموا بالعصا والحديد أبداً، بل بالكلمة الطيبة والدليل القاطع والبرهان الساطع.

    معنى قوله تعالى: (إلا الذين ظلموا منهم)

    وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، هذا استثناء، فالذين ظلموا من أهل الكتاب وهم الذين ما دخلوا في ذمتنا ولا تحت رايتنا بل ما زالوا يعلنون الحرب علينا ويقاتلوننا فهؤلاء لا جدال معهم ولا كلام وإنما الحرب والنار.

    فهمتم هذا الاستثناء؟ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، وهم الذين ما دخلوا في ذمتنا ولا دخلوا تحت رايتنا ولا أدوا الجزية لنا، هؤلاء ليسوا أهلاً لأن نتكلم معهم ونربيهم؛ لأنهم لا يزالون على الكفر والعداء والحرب فكيف نجادلهم؟ كيف نتحدث معهم؟

    هذا معنى قوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا [العنكبوت:46]، فلا تجادلوهم.

    معنى قوله تعالى: (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ...)

    قوله تعالى: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46].

    هذه الجملة يجب أن يحفظها كل مسلم وأن يقولها عندما يجادل أهل الكتاب؛ لأن الأمر هنا للوجوب.

    وَقُولُوا [العنكبوت:46] أي: لما تجادلون بالتي هي أحسن، ويقول لكم اليهود والنصارى كذا وكذا لا تقولوا كلامكم باطل أو كذب فقد تكذبوا الحق، أو تقولوا هذا حق وقد يكون باطل، فتكذبوا الحق وتصدقوا بالباطل، وهذا لا ينبغي.

    إذاً: كيف تخرجون من هذا؟ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ [العنكبوت:46]، أليس كذلك؟ بلى.

    وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46]، أسلموا أنتم.

    هذه الجملة يجب أن يحفظها كل من يتكلم مع اليهود والنصارى من أهل الذمة لا من أهل الحرب، لما يعرضون عليه دليل أو حجة أو كذا من التوراة والإنجيل ماذا يقول؟ قد يصدق بباطل، وقد يكذب بحق، فلا يجوز تصديق الباطل، ولا التكذيب بالحق، وإنما الخروج من ذلك: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46]، أليس كذلك؟ هذا هو.

    آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا [العنكبوت:46]، وهو القرآن، وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [العنكبوت:46]، وهو التوراة والإنجيل، وإلهنا وإلهكم واحد، الله واحد لا إله غيره.

    وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46]، وأنتم شأنكم إذا ما أسلمتم، أما نحن فمسلمون لله بقلوبنا ووجوهنا وأعمالنا.

    تأديب رباني.. تعليم إلهي.. علم أصحاب رسول الله القادمون من مكة -لما دخلوا المدينة- هذه الحقائق وعاينوها.

    إذاً: قوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، هذا الاستثناء معناه: لا تجادلوهم.

    من هم؟ الذين ما دخلوا في ذمتنا وما زالوا محاربين لنا.

    والذين تجادلونهم لما تجادلوهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإن صدقتموهم في شيء ربما صدقتم الباطل، وإن كذبتموهم في شيء ربما كذبتم بالحق.

    إذاً: لا نكذب ولا نصدق ما يقولون، فنقول فقط: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت:46]، ننجو ونسلم.

    نحن أما آمنا بالتوراة؟ أما آمنا بالإنجيل؟ أما آمنا بالزبور؟ آمنا بها. آمنا بالقرآن أم لا؟ وهم ما آمنوا فشأنهم.

    وإلهنا وإلههم واحد أم لا؟ لا إله إلا الله، ونحن بصورة خاصة له مسلمون، وأنتم ما زلتم بلا إسلام أيها اليهود أو النصارى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088518155

    عدد مرات الحفظ

    777079361