إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن إنكار رسالة البشر سنة عامة في كل الأمم، والاستهزاء بالرسل سنة بشرية لا تكاد تتخلف، ولذا وجب على الرسل وأتباعهم ومن جاء بعدهم من الدعاة الصبر على ذلك، أما طلب المكذبين والمعرضين بأن يكون الرسول ملكاً فما هو إلا إحدى ذرائعهم لعدم القبول والتصديق بما جاءهم من عند الله، وما جزاء من يفعل ذلك إلا الخزي وأن يصيبهم العذاب الذي كانوا ينكرونه ويستبعدونه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأنعام، وأعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن هذه السورة تقرر المبادئ الثلاثة العظمى: التوحيد، والبعث الآخر، والنبوة المحمدية، إذ هذه هي عناصر الإيمان القوية، من ظفر بها فآمن بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث حق؛ فهذا حي وأصبح قادراً على النهوض بكل ما يكلفه الله ورسوله من فعل أو ترك، ومن فقد هذه العناصر فهو ميت، ومن فقد بعضها فهو ميت، ومن أصابه ريب فيها أو في بعضها فهو هالك.

    سورة الأنعام التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم تسبيح وزجل هؤلاء نزلوا مع هذه السورة المكية قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أولها إلى آخرها وهي تقرر مبدأ لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا بد من لقاء الله والجزاء على الكسب في هذه الدنيا، الخير بالخير والشر بالشر.

    وها نحن مع هذه الآيات الثلاث أو الأربع، ولنستمع إليها من مجودها؛ لعل قلوبنا تخشع ولعل أسماعنا تضطرب وتسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأنعام:7-10].

    وها نحن قد استمعنا إلى هذه الآيات الأربع من كتاب الله عز وجل، واخترت أن نسمعها مجودة مرتلة من أهل التجويد لتزداد نفوسنا شوقاً إليها، ويزداد نور علمنا معرفة بها، ولا بأس؛ لأننا مشغولون عن سماع التجويد في إذاعة القرآن وغيرها لأعمالنا، فقلنا: نقتبس هذه الدقائق نسمع فيها كتاب الله مجوداً مرتلاً علينا.

    قال عز وجل: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام:7]، يخبر تعالى رسوله مصطفاه نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بحقيقة علمها الله وهي واقعة: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ [الأنعام:7] يا رسولنا كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ [الأنعام:7] والقرطاس: الورق، وقد يكون من جلد، وقد يكون من عظم، لكن المعروف القرطاس من هذه الكراريس.

    و(نزلناه) قد يدل هذا التضعيف على أن المراد أن ينزل في سلسلة من النور من السماء، ويتدلى حتى يصبح أهل مكة يلمسونه بأيديهم وهو معلق، وكذلك قد يكون المراد: نزلنا عليك كتاباً بواسطة الوحي، بواسطة ملك ينزل ويعطيك الكتاب مكتوباً، هؤلاء المتمردون المعاندون المشركون كانوا سيقولون ماذا؟ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام:7] كيف ينزل كتاب من السماء؟ كيف يتدلى من الملكوت الأعلى وتقولون: لمسناه بأيدينا؟ أنتم مسحورون، الرجل سحركم في أعينكم! لو نزل به ملك وقال: هذا كتاب الله إليك يا رسول الله، فعلم الناس وبلغهم؛ لقالوا كذلك: هذا سحر.

    من أخبر بهذا؟ إنه خالق قلوبهم، وموجد غرائزهم وطبائعهم، والله لقالوا هذا القول، وقد قالوا، أما قالوا: ساحر؟ أما قالوا: شاعر؟ أما قالوا: مجنون؟

    تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاة من بعده بذكر حال الكفرة مع الوحي

    وفي هذا تسلية وتعزية لرسول الله ليصبر على دعوته، إنهم وراءه ينهشونه بألسنتهم، ويأكلونه بألسنتهم، ولا يقول قولاً إلا سخروا واستهزءوا، فلو لم يصبر لكان سيخرج من مكة ويتركهم، يونس عليه السلام ما استطاع، فر هرب، ولكن الحق عز وجل يحمله على الصبر والثبات بمثل هذه الآيات التي تسليه وتعزيه وتحمله على الصبر.

    وكان من حق الدعاة أن ينظروا إلى هذه الآيات أيضاً، ويصبروا على الضحك والاستهزاء والسخرية ورد الكلام وعدم قبوله، والانتقاد والطعن، ولا يزلزلهم ذلك أو يبعدهم عن دعوة الله، بل يسكتون عن ذلك متسلين متعزين بما عزى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وسلاه، إذ هذه الآيات خالدة وباقية، سر بقائها لينتفع بها المسلمون، ولو من باب الفرض: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الأنعام:7] الجواب: لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ [الأنعام:7] واضح بين، وإلا فكيف ينزل كتاب من السماء ونشاهده؟ أو كيف ينزل ملك ويأتي بكتاب؟ ما سمعنا بهذا ولا رأيناه. فإن حصل ورأوه قالوا: هذا سحر، لقد سحركم! مثل هذا لا يقع أبداً، وفيه حقيقة السحر، وهو أن الإنسان إذا سحر تنقلب الحقائق عنده، فيصبح يرى الباطل حقاً، حتى زوجه التي يحبها يراها عدواً له، وهي كذلك.

    ولهذا من لطائف هذا الدرس أن قلنا: لا يبعد أن يكون اليهود قد سحروا رؤساء العرب ومسئوليهم؛ لماذا؟ لأنهم يجتمعون معهم في الأمم المتحدة، ويسقونهم الشاهي أو الماء، أليس من الجائز أن يسحروهم؟ فيصبحون لا يسبونهم ولا يشتمونهم، ولا يعلنون الحرب عليهم! وهذا جائز جداً ومعقول؛ فاليهود هم أهل السحر، أول من عرف السحر اليهود، وهذا كتاب الله فاقرءوه، إذاً: فنستعيذ بالله من السحر، نعوذ بالله من السحر والسحرة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088460472

    عدد مرات الحفظ

    776860240