إسلام ويب

تفسير سورة النساء (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تقوى الله عز وجل هو سبيل الرشاد، فهو الذي يحمل العبد على طاعة الله عز وجل، وفعل ما أمر به من العبادات، وترك ما نهى عنه سبحانه من المعاصي والسيئات، إذ هو سبحانه المستحق لذلك فهو خالق الأكوان ومدبرها، وهو موجد الإنسان من نفس واحدة سبحانه وتعالى، وخلق منها زوجها، وبث منهما ذرية من الرجال والنساء، فاستحق سبحانه توحيده في ربوبيته وألوهيته.
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذالكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالله تعلى نسأل أن يحقق لنا هذا المأمول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

    وقد انتهى بنا الدرس إلى فاتحة سورة النساء، وهي السورة الرابعة من كتاب الله عز وجل، الأولى كانت الفاتحة، والثانية كانت البقرة، والثالثة كانت آل عمران عليهم السلام، والرابعة سورة النساء.

    وقبل الشروع في دراسة هذه الآية المباركة، بلغنا أن مؤتمراً مصرياً انعقد في العالم -ولا أدري في أي بلد انعقد- بالصين وإلا بالشين، في الشرق أو الغرب لا فرق بين هذا وذاك، كل ما نريد أن نقوله وتسمعونه أيها الصالحون! ويا أيتها الصالحات! أننا نخطّئ هؤلاء الذين اجتمعوا من الشرق والغرب ليطالبوا بحقوق النساء، نقول لهم: النساء مخلوقات وأنتم مخلوقون؟ فإن قالوا: لا، اعتبرناهم معاتيه مجانين سفهاء لا قيمة لهم؛ لأن الذي ينكر حقيقة كهذه لا يخاطب ولا يتكلم معه، فإن قالوا: نحن مخلوقون، ولا نشك أبداً في أننا مخلوقون، نقول لهم: من خالقكم؟ فإن قالوا: لا ندري، إلى الآن لا تدرون من خالقكم؟! أين كنتم تعيشون فإما أن تسألوا عن خالقكم؛ لتعرفوه وتعرفوا جماله وكماله، وتطلبوه الرضا، وإما أن تتجاهلوه ولا تريدون معرفته، قلنا: السر في هذا لتعيشوا كالبهائم وأنتم حقاً والله لشر من البهائم، وهذا الخالق للعوالم كلها للإنس والجن يحكم عليكم بأنكم شر الخليقة؛ إذ قال تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، البرية ، معناها: الخليقة، إذ البارئ: هو الخالق، والمبرور: المخلوق، والبرية: المخلوقة، هذا حكم الله عليكم أيها الكافرون من أهل الكتاب ومن غيركم، أنكم في قضائه وحكمه شر الخليقة.

    فهم إذاً: شر من القردة والخنازير؛ فضلاً عن الكلاب والذئاب والحيات والثعابين.

    وإن قالوا: لم نكون شر الخليقة؟ قلنا لهم: هيا نتعقل ونفهم، الذي يكفر ويجحد خالقه، وهو الذي أطعمه وسقاه وحفظه وكلأه إلى نهاية أمره يتجاهله ويعاديه ويعلن الحرب عليه، هل هذا فيه شيء من الخير؟ هذا الذي يعيش ستين سنة ما يسأل عن ربه وخالقه، ولا يتعرف إليه، ولا يطلب وده، ولا يسأل كيف يتزلف ويتقرب إليه، وتأتيه رسل الله تحمل الهداية والبيانات فيحاربها ويخرج عن طاعتها ليصر فقط على فسقه وفجوره وخروجه عن طاعة ربه.

    ومن الأمثلة القريبة: أرأيتك لو كان لك خادم في بيتك تطعمه تسقيه تكسوه تكلأه تحفظه تحميه تناديه وهو لا يعترف لك بشيء، لا يفتح عينيه فيك، ولا ينظر إليك، ولا يقول فيك إلا أسوء القول، وليس يوماً ولا أسبوعاً ولا عاماً بل طوال حياته، كيف تنظر إلى هذا المخلوق، ماذا تقول فيه؟ تحكم عليه أن يعذب أشد العذاب وأشره وأبشعه، أليس كذلك؟

    إذاً: فهؤلاء التائهون في صحارى الحياة يريدون أن يحققوا ماذا؟ حقوق النساء.

    نسأل مرة ثانية: هل النساء مخلوقات؟

    إي نعم، لهن خالق؟ ما اسمه؟ الله، أين يوجد؟ فوق سماواته، فوق عرشه، هل أنزل كتاباً فيه تعاليم خاصة بالنساء؟ إي نعم، هل عرفتم هذه الحقوق النسوية التي في كتاب ربهن أو ما عرفتموها؟ ما عرفناها -أعوذ بالله- ثم ترضون بهذا الهبوط؟ لماذا لا تؤمنون به وبكتابه وبرسوله؟ وتطبقون حقوق النساء التي وهبها الخالق لهن ووضعها العليم الحكيم؛ لإسعاد النساء وإكرامهن في الدنيا والأخرى، تجهلون الله وتجهلون شرائعه وحقوق النساء في كتاب الله وشرعه وتريدون أن تطالبوا بحقوق النساء، أنتم صبية، أطفال صغار تلعبون؟ أم مجانين لا عقول لكم؟

    لو صحوا ساعة من سكرتهم لقالوا: نريد أن نطبق حقوق النساء التي شرعها لهن مولاهم وخالقهم، وأنتم هضمتم النساء حقوقهن، واستهنتم بها، وسخرتم منها؛ فنحن جئنا لنطالب بتحقيق تلك الحقوق التي أثبتها الخالق لهن، لقلنا: إي نعم، أما وأنتم ما عرفتم الخالق، ولا عرفتم الحق من الباطل، ولا الخير من الشر، ولا الصلاح من الفساد، وتعقدون مؤتمراً عالمياً للمطالبة بحقوق النساء؟!

    أسألكم بالله أيها العقلاء! أسخرية هذه واستهزاء أم ماذا؟ أضياع هذا أم ماذا؟

    وهذا كتاب الله.. من قال: لا. يرفع يده، هل هو كتابك أنت أو جدك الذي كتبه؟ وإن قال: ما أدري ، ما تدري إلى الآن؟ ادر وتعلم، واسمع التحدي الإلهي.

    قال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]؛ ليساعدوكم على الإتيان بسورة فقط من مثل هذا القرآن، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:24]، لن هذه زمخشرية طلبة العلم يعرفونها، تفيد النفي المؤبد، ومضى على هذا الخبر الإلهي والتحدي الرباني ألفاً وأربعمائة سنة وخمسة عشر عاماً، هل استطاع أحد أو جماعة أو أمة أن يأتوا بمثل القرآن أو أن تأتي بسورة منه، تقول: زنوها بالقرآن وانظروا هل هي تساويه أو هي فوقه أو دونه؟

    من ألجم البشرية ومنعها من أن تتكلم أو تحاول؟ الذي يملكها، إذ قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا ، متى نزل هذا الخبر؟ منذ ألف وأربعمائة وخمسة عشر عاماً، من الأمثلة التي نقرر بها المعنى: هل تستطيع اليابان أو غيرها أن تحدث آلة من الآلات وتقول: أتحدى مصانع البشرية أن تنتج مثل هذه لمدة سبعين سنة؟

    مصانع أمريكا المتفوقة، هل تستطيع أن تنتج آلة أو شيئاً وتقول: أتحدى العالم لمدة مائة سنة أن ينتجوا مثل هذه؟ مستحيل.

    والله تحدى وإلا لا؟ كم عام؟ إلى ما لا نهاية؛ إذ قال: وَلَنْ تَفْعَلُوا .

    إذاً: من يبلغ أهل هذا المؤتمر بأن الأصابع التي جمعتهم وحركتهم؛ فهم يرقصون بكلامهم، هي أصابع بني عمنا اليهود، بنو عمنا؟ نعم. نحن أبناء إسماعيل وهم أبناء يعقوب، أبناء العمومة -لا تغضب- هي التي جمعتهم؛ لا تقولوا ولا تفعلوا، من باب أنهم يريدون أن تسود المرأة في العالم، فإذا سادت المرأة وهبط الرجل انقلب الوضع وساءت الحياة، وانقلبت أوضاعها وأصبحت البشرية كالبهائم، وحينئذ يتحقق الأمل الأعظم لبني إسرائيل في إعادة مملكة بني إسرائيل، ونواتها في قلب العالم الإسلامي، دولة إسرائيل، متى يسوسون البشرية كلها ويحكمونها كما حكمها سليمان؟ يوم ما تنمسخ البشرية وتصبح كالبهائم تركب وتساق حيث شاء صاحبها، يومئذٍ يحكمون ويسوسون.

    فهذه كلها من صنائعهم، والحمد لله أن فينا بقية من بقايا الإيمان والصبر والعلم والمعرفة.

    نكتفي بهذا القدر ونعود إلى درسنا من كتاب ربنا، لكن هل يبلغهم هذا الكلام؟ أين إذاعة لندن التي تنقل كل شيء إلا مثل هذا الكلام ما ينقل، ما سمعناها تقول مثل هذا، ونحن هنا نتكلم كلام حق كهذا ما ينقل أبداً؛ لأنهم يهود، وأصابع اليهود هي هي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088460053

    عدد مرات الحفظ

    776858072