إسلام ويب

تفسير سورة النساء (10)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فرق الله عز وجل في إرث الكلالة بين الإخوة من أم والإخوة الأشقاء والإخوة من أب، ففي الأول إن كان الأخ واحداً فيرث السدس، وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، أما الإخوة الأشقاء أو من أب فقسمتهم مختلفة، فإن كان له أخت فهي ترث النصف، وإن كانتا اثنتين فتشتركان في الثلثين، وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءً فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان الميت امرأة ولها أخ فهو يرث مالها كله.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة من ليالي التفسير ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى آيتي المواريث، وقد درسنا أكثرها، ولم تبق إلا آية واحدة، وهي من خاتمة سورة النساء، ندرسها ونعود من جديد لتقرير ما سبق أن علمناه.

    سبب نزول قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ...)

    هذه الآية الأخيرة تسمى آية الصيف؛ لأن الآيتين التي قبلها نزلتا في الشتاء، وهذه الآية نزلت في الصيف في شدة الحر، فتعرف بآية الصيف، وذكر لنزولها أسباب أصحها -والله أعلم- ما يلي:

    أن جابر بن عبد الله بن حرام رضي الله عنه صاحب رسول الله مرض مرضاً شديداً، ولكن لم يتوف فيه، فزاره النبي صلى الله عليه وسلم فوجده مغمى عليه، فتوضأ صلى الله عليه وسلم ثم صب عليه من فضل وضوئه فأفاق، فلما أفاق قال: ( يا رسول الله! كيف أقضي في مالي؟ )، وكان له تسع أخوات من أبيه وأمه، ولهذا ما حضر وقعة من الوقائع؛ لأن أباه استخلفه لرعاية أخواته؛ فلما سأل لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت هذه الآية ، والآية بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    يَسْتَفْتُونَكَ [النساء:176] من هم؟ أصحابه يطلبون الفتيا: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ [النساء:176]، أما أنا فلا علم لي، حولهم على الله عز وجل: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، هذه التي أتعبت عمر تعباً شديداً، ومن كثرة إلحاحه وسؤاله قال فيه الرسول هكذا في صبره: ( أما تكفيك آية الصيف يا عمر )، وبقي مرتاباً شاكاً إلى يوم وفاته، وكتبها، وكان يستخير الله طوال حياته، فلما لم يتضح له شيء أعلن ذلك ومحيت الورقة وأقر ما أقره أبو بكر رضي الله عنه.

    كيفية تقسيم الكلالة

    قال الله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، بيانه: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء:176]، هلك بمعنى مات، وأخيراً أصبحت كلمة هلك يطلقونها على ما لا يحمد حاله ولا موته، والقرآن ذكر هلك بمعنى مات.

    قال: إِنْ امْرُؤٌ [النساء:176]، وكلمة امرؤ يراد بها الذكر أو الأنثى: هَلَكَ [النساء:176] أباً أو أماً: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176] ولا والد، ما يحتاج إلى ذكر؛ لأنه تقدمت الآيات: وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176]، مات سعيد ولم يترك أباً ولا أماً وترك أخته، ترثه أو لا؟ هذه أخت شقيقة أو من أب، أما آية الكلالة في الأخوات من الأم تقدمت، فإن كان ليس له ولد فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [النساء:176]، ترث نصف ما ترك أخوها، كما ترث نصف ما ترك أبوها لو مات، وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، يرثها كلها أو النصف أو الربع؟ كلها، هي لا ترث إلا النصف ولا تزيد عليه، وهو أكثر ما ترثه دائماً، وهو يرث الكل: وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176] فإن كان لها ولد يرثها، والأخ ما له شيء لأنه محجوب بالولد، لكن إذا كانت له بنت أنثى فلها النصف والباقي للأخ بالتعصيب إن لم يكن لها ولد.

    ثم قال تعالى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، هلك هالك وترك أختين، كذا أو لا؟ عبد الله بن حرام ترك تسعاً: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، لهما الثلثان مما ترك والثلث الباقي للعاصب.

    وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176]، مثل جابر له أخوات وهو ذكر، لو كان له أخ آخر قالوا: إخوة رجالاً ونساء.

    قال: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176] كيف يرثون أخاهم الذي مات؟ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، البنت تأخذ ريالاً والذكر يأخذ ريالين: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء:176] كي لا تضلوا وتخطئوا في القسمة وتأكلوا أموالكم بالباطل، أو يورث هذا عداوة بينكم أو حسداً أو ما إلى ذلك، يبين لكم كراهة أن تضلوا: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176] فسلموا له القضاء والحكم، أعدل العادلين .. أرحم الراحمين؛ بكل شيء عليم، بالبواطن والظواهر والمستقبل والآتي، فلهذا إذا حكم الله احمد الله، افرح وزغرد أعني النساء، أما الرجال ما يزغردون.

    إذاً: يقول الله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ [النساء:176] في ماذا؟ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]، عرفنا الكلالة؟ أن لا يكون له والد ولا أب ولا أم، لا جد ولا أم ولا جدة، وإنما يرثه من يحيطون به من إخوانه، إن كانوا لأم هذه كلالة تقدمت، وإن كانوا لأب أو لأب وأم فهي هذه بالذات، فهو بين تعالى: إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:176]، ذكر أو أنثى لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ [النساء:176]، ماذا ترث الأخت من أخيها الذي مات أو أختها؟ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا [النساء:176] بشرط: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، إذا كان لها ولد ما بقي لها شيء، هذا أخ، حاشية من الإكليل، الولد أولى: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176] أو أكثر أخوات، لو مات جابر وترك تسع أخوات ماذا لهن؟ الثلثان فقط، والثلث يبحثون عن عصبة، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ [النساء:176]، هذا في حال أخ واحد أخت وحدها ولا يوجد ثاني، وفي حال اثنتين أو أكثر؟ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً [النساء:176] أكثر من اثنين، رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، تقسم هذه التركة بينهم إن مات أخوهم وترك هذا المال، للذكر مثل حظ الأنثيين، قد تكون بنتاً ومعها ولدان ذكران، أو ثلاث بنات ومعهم ذكر القسمة: للذكر مثل حظ الأنثيين كما تقدم في النسب، عرفتم أن هذه الآية تسمى آية الصيف أو لا؟ وعرفتم أن عمر تردد فيها طويلاً، ولكن الله بينها على لسان رسوله فأقرها.

    مرة ثالثة نقول: هلك هالك وما ترك له ولد ولا أب ولا أم ولا ولد ولد، وإنما ترك أخاه أو أخته، إن كانت أخت فلها النصف، وهو إن ماتت؟ كلها، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ [النساء:176]، فإن كان لها ولد فلا حظ له نهائياً لأنه محجوب، فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ [النساء:176]، هلك هالك وترك أختين فقط، وليس له أب ولا أم؛ لأنها كلالة، فما الحكم؟ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ [النساء:176]، والثلث الباقي للعم .. لابن العم .. للعصبة: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً [النساء:176] خليط أخوات وإخوان، فماذا يصنعون؟ يقتسمون تركة أخيهم للذكر مثل حظ الأنثيين: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ [النساء:176] لكيلا تضلوا، وضل في القضية أخطأ الطريق فيها كما ضل في الطريق، أراد الشام فمشى إلى اليمن.

    وتأملوا الآية: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا [النساء:176] بشرط: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].

    القرآن فيه اختصار كبير، لو كان فيه تطويل لا يحفظ ولا يحمل، فلهذا بدل أن يقول: كراهة أن تضلوا

    أو لكيلا تضلوا، نفهم من السياق: يبين لنا حتى نضل يعني؟ في عاقل يقول هذا؟ يقول: أبين لكم لتضلوا! هذا كلام يقوله عقلاء؟ إذاً: يبين لكم حتى لا تضلوا، لكيلا تضلوا، أو ما فهتم هذه البربرية؟!

    القرآن فيه إيجاز واختصار، أولاً: لأنه يحفظ في الصدور، عندكم كتاب كالقرآن محفوظ في الصدر؟ ما هو معقول أبداً، وينبغي أن يحفظ من قبل الرجال والنساء.

    ثانياً: لو كان يوسع فيه يخسر معناه ، لو يشرح بكلام الله تطول قراءته ويصعب على الناس حتى فهمه.

    فالله عز وجل أنزله مختصراً ووكل بيانه إلى رسول الله، والرسول بين كل ما نحتاج إليه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].

    يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].

    هنا ما ذكر الدين والوصية، لماذا؟ ذكرت في أول السورة، لم التكرار؟ هنا ذكر الوصية والدين؟ لا، ذكر هناك مرتين فلا حاجة لتعاد؛ لأن تلك الآيات نزلت قبل هذه الآية .. أول السورة ينزل قبل آخرها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531100

    عدد مرات الحفظ

    777162890