إسلام ويب

تفسير سورة النساء (22)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فضل الله عز وجل بعض العباد على بعض في الرزق، ونهاهم سبحانه وتعالى عن التحاسد فيما بينهم، فلا ينظر الواحد إلى غيره من أصحاب الأموال الكثيرة، والمناصب الرفيعة، فيتمنى زوال ما عندهم حسداً من عند نفسه، فالله عز وجل هو مقسم الأرزاق لحكم بالغة عنده تعالى، وعلى كل عبد سؤال الله عز وجل من فضله، والسعي والكد والاكتساب من وجوه الحلال.
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ من أجل أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة النساء، والآية التي تدارسناها بالأمس تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31].

    أبشّر كل مؤمن ومؤمنة كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرون أصحابهم، أبشّر كل مؤمن ومؤمنة قاما بأداء الواجبات وتجنبا كبائر الذنوب من المنهيات والمحرمات بأن لهم الجنة، لا يمنعهم عنها إلا الموت؛ إذ هذا وعد الله الصادق: إِنْ تَجْتَنِبُوا ، معاشر المؤمنين والمؤمنات، كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ، أي: الذي ينهاكم الله ورسوله عنه من كبائر الذنوب يكفر عنكم سيئاتكم الصغائر يسترها ولا يخاطبكم بها، ويدخلكم الجنة دار السلام.

    الكبائر: جمع كبيرة موبقة مهلكة.

    وواجب كل مؤمن ومؤمنة أن يحيط علماً بالكبائر كما نعرف أمور الدنيا بالتفصيل حتى أنواع الحلويات والطعام والشراب، ما نعرف هذه الكبائر!

    فالحبيب صلى الله عليه وسلم في كل مناسبة يذكر عدداً؛ مرة ستة .. مرة سبعة .. مرة ثلاثة، يلقيها إليهم؛ ليحفظوها شيئاً فشيئاً، لكن لا بأس أن نذكر ما ورد وما حفظناه عنه صلى الله عليه وسلم.

    أولاً: قلنا أكبر الكبائر الشرك بالله عز وجل، الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم هو الذي كان جالساً بين أصحابه في هذا المسجد يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم قال: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله )؛ لأن الشرك ذنب عظيم، وإذا لم يتب العبد منه قبل موته.. قبل أن يغرغر فالجنة حرام عليه، آيس من دخولها، وهذا خبر الله عز وجل وهو حكم من أحكامه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48].

    ومن سورة الحج يبين تعالى خسران المشركين كيف يكون: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ [الحج:30-31]، سقط من السماء، من السماء مسيرة خمسمائة عام للطائر، خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ، قبل أن يصل إلى الأرض فتمزقه، أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]، لا يعثر عليه.

    وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].

    وبعد الشرك بالله قتل النفس، ما بعد الشرك ذنب قبل قتل النفس، واقرءوا قول الله تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68].

    الكبائر: الشرك، قتل النفس، الزنا.

    وهذا ابن مسعود يتعلم ويقف في طرف الحلقة ويقول: ( يا رسول الله! أي الذنب أعظم عند الله؟ فيقول: أن تجعل لله نداً وقد خلقك )، الند: تناده به وتضاده وتدعوه كما تدعو الله، وتتقرب إليه كما تتقرب إلى الله.

    ( ثم قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك؛ خشية أن يأكل معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك )، وبعد هذا عقوق الوالدين، أي: قطعهما وقطع البر والخير والإحسان عنهما.

    ثم ماذا من الكبائر؟ أكل الربا، أكل مال اليتيم، أما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10].

    ثم قول الزور وشهادة الزور، يا من يشهد كاذباً فإنك من مرتكبي أعظم الكبائر، هل هناك مؤمن عبد الله أو أمة الله يشهد وهو يعلم أن الله يعلمه ويسمع شهادته ويراه ويقدم على شهادة الزور، والكذب ألا لعنة الله على الكاذبين!

    ثم التولي يوم الزحف، أين الزحف يا شيخ؟ قد يأتي، إذا تقابل الفريقان فريق المؤمنين وفريق الكافرين في ساحة القتال وزحف الكل، فالذي يفر من ساحة الزحف ارتكب أكبر كبيرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16].

    ومن الكبائر الواردة في السنة: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، مؤمنة غافلة في بيتها تعبد الله يتهمها ويشيع عنها أنها زنت أو أنها تتعاطى كذا.. أو كذا.. كذا. وهي أمة الله المستورة في بيتها، هذه من أكبر الكبائر قذف المحصنات الغافلات المؤمنات.

    من هذه الكبائر: اليمين الغموس التي تغمس صاحبها من قمة رأسه إلى قدميه في أوساخ الإثم، ثم في جهنم، ما هي اليمين الغموس؟ هي التي يحلف صاحبها كاذباً؛ ليأخذ حق الناس، يقول: بالذي لا إله غيره ما رأيت هذا الذي تقول ولا علمته، وهي في جيبه، اليمين الغموس يحلف صاحبها كاذباً من أجل أن يبطل الحق أو يأخذ الحق لنفسه.

    إذاً: ومن هذه الكبائر في الحديث: ثلاثة هي: اليأس من روح الله، إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87].

    القنوط من رحمة الله.

    الكذب على الله.

    إذاً: يجب أن نحفظ هذه الكبائر.

    وعندنا ضابط أعطاه لنا أهل العلم .. أهل البصيرة ينتفعون به، الكبائر قالوا: تعرف بالحد لا بالعد؛ إذ تجاوزت السبعمائة؛ فالحد فيصل فيه، تعرفون الحد وإلا لا؟

    حد المسجد النبوي جنوباً كذا، شمالاً كذا، غرباً كذا، شرقاً كذا، هكذا الحد وإلا لا؟ يعرف بالحد أو ما يعرف؟ أما أن تعرف بالذرة وبحبة الشعير، الشعير ما تستطيع، كانوا يقيسون بحبة الشعير، الروضة هذه من حجرة الرسول إلى المحراب إلى المنبر حسبوها بحب الشعير، حبة شعيرة إلى أخرى إلى أخرى أقل من السنتيمتر.

    إذاً: الشاهد عندنا في الكبائر تعرف بالحد لا بالعد؛ لأنها بالعد كثيرة.

    هذا الحد قالوا: كل ما توعد الله به عبده بعذاب الآخرة فهو كبيرة، أيما إثم .. أيما ذنب جاء النهي عنه مربوطاً بوعيد الله فهو من كبائر الذنوب.

    ثانياً: كل ما ورد فيه لعن الله ورسوله: أيما إثم يلعن الله أو رسوله صاحبه إلا وهذا الإثم كبيرة من كبائر الذنوب.

    ثالثاً: كل ما فيه حد يقام على فاعله، مثاله: القذف، القذف: فلان يفعل كذا، فلان يرتكب كذا، يتهمه بالزنا أو باللواط، هذا القاذف هذا يريد يشوه المجتمع ويلطخه، إما أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على أنهم شاهدوه كالميل في المكحلة، وإلا يجلد ثمانين جلدة أمام الناس، ويساهم كل من يستطيع الجلد؛ هذا من أجل إنهاء الفاحشة وعدم ظهورها، هذا حد إذاً، القذف كبيرة وإلا لا؟

    فلان يزني، هات البينة؟ ما عندك حرام أن تتكلم؛ لأن الحديث بالزنا أو الفاحشة ينشرها؛ لأن القلوب البشرية مستعدة إذا لم تكن لها حماية.

    الزنا كبيرة أم لا؟ أما يرجم حتى يموت إن كان محصناً؟

    قتل النفس أليس فيه القصاص؟ وهكذا اللعن الوعيد الحد. هذه حدود ما ورد فيها من إثم ملعون أو مقام عليه حد أو موعود بالعذاب فهو كبيرة من كبائر الذنوب، ولكن دراستنا لحديث الرسول وسماعنا لكلامه نتعلم الكثير من الكبائر.

    إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ، أي: الصغائر، وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، ألا وهو الجنة، ويدخلنا مدخلاً كريماً ما فيه إهانة ولا تعذيب ولا عنت ولا.. إلى الجنة دار السلام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088528778

    عدد مرات الحفظ

    777145264