أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!
إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الأحد من يوم السبت والليالي الثلاث بعدها؛ ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
فاللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!
وها نحن مع سورة النساء المباركة.
وَإِنْ خِفْتُمْ [النساء:35] معاشر المؤمنين والمؤمنات، والخوف هنا: توقعه لظهور آياته وعلاماته، إن حصل هذا وهو الخوف من الشقاق بين الزوجين.
والشقاق: نزاع، صراع، يجعل كل واحد من الزوجين على جهة، فلا اتصال ولا ارتباط ولا تلاقي، هذا في شق وهي في شق، فلا تلاقي.
يا جماعة المسلمين! إن خفتم شقاقاً بين الزوجين، بين رجل منكم وامرأة منكم فمدوا أيديكم لإذهاب هذا الشقاق وإبعاده، ولجمع المرأة مع زوجها، لتحقق الأهداف الثلاثة للزواج، وهي: السكينة والمودة والرحمة.
جماعة المسلمين في القرية، في الحي، إذا بلغهم: أن زيداً تنازع مع زوجته، وأنهما في شقاق، أنقذوا إخوانكم، كونوا محكمة، ابحثوا عن رجل ذي علم وبصيرة ومعرفة بشأن الزوج، وعن رجل آخر ذو علم ومعرفة وأدب ولياقة من أهل الزوجة، وأسندوا الأمر إليهما: بأن يدرسا الحالتين كلاً على حدة، ويجتمعان، وكل يدلي ويظهر ما سمع وما عرف، ثم وكل الله تعالى الحكم إليهما: إن شاءا فرقا وطلقا؛ لعلمهما اليقيني أنه لا فائدة في بقاء هذا الزواج، لا تكون فيه مودة ولا رحمة ولا سكون، فمن الخير إذاً إعلان الفراق، ويجب على الزوج أن يطلق، وعلى الزوجة كذلك أن تطلق، ولا يقول: لا، ما أطلق، أو تقول: أنا لا أتطلق، إذا كان لابد من الطلاق لإنهاء الشقاق، إذاً: فالطلاق.
ولكن الغالب إذا نصحا الحكمان وعدلا وكانا أهلاً للحكم والقضاء، فإن الله يوفقهما لما فيه الخير: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35] أي: بين الزوجين فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] الحكم كالحاكم، ولكن الحاكم دائم الحكم وهذا مؤقتاً.
فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ [النساء:35] أي: من أهل الزوج، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] أي: من أهل الزوجة، لماذا نبعث بهما؟ لدراسة هذه القضية، والبحث عن المشكلة، ما سبب هذا الخلاف حتى أدى إلى النزاع والصراع؛ لأن الآية الأولى بين لنا تعالى إذا رأينا نشوزاً من المرأة وخفناه، التأديب في ثلاث خطوات:
الأولى: الوعظ والتبيين، فإن انتهت وعادت إلى الصواب فبها ونعمت.
الخطوة الثانية: هجرها في الفراش حتى تتوب وترجع إلى الحق.
الثالثة: ضربها ضرباً غير مبرح لا يكسر عضواً ولا يشين جارحة.
والآن حصل شقاق بين رجل وامرأته، ما نفع فيه الوعظ ولا التأديب بالضرب ولا الهجران، فهل نترك المؤمنين هكذا في هذا الشقاء والبلاء ونحن كجسم واحد، ( المؤمن أخو المؤمن )، المؤمنون متكافلون متضامنون، ما يسر إبراهيم يسر عثمان، وما يحزن عيسى يحزن موسى، وهذا معنى: أن أهل قرانا وأحياء مدننا متضامنون متوادون متحابون متعارفون على نهج ما علمنا، يجتمعون كل ليلة وطول الدهر يتعلمون الكتاب والحكمة نساءً ورجالاً وأطفالاً، من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء، فتزكو النفوس وتطيب الأرواح، وترتفع مستويات المعرفة؛ فيصبحون كأنهم أسرة واحدة، أما والوضع هكذا أنى لنا أن نأتي بالحكمين، إلا إذا القاضي عين فلاناً وفلاناً إلزاماً.
وكل ما يصيبنا هو بذنوبنا، هيا نسمع الآية الأولى هل لها وجود بين المسلمين.
فالإنسان عندما يلين وينكسر تصبح المرأة أعلى منه؟ لكن لجهلهم وعنادهم المهم يريدون أن يبعدوا نور الله، الله يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ [النساء:34] من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، إلا إذا انمسخت أمة أو جيل من الأجيال وهبطوا، وساد النساء فأصبحوا من أنواع المسخ، لا يعتبرون ولا يلتفت إليهم، والعقل عقل المرأة كعقل الرجل، وظف رئيسة في دائرة، وسلط عليها شيطان سياسي، يعبث بقلبها كم ويقلبها، ولا تثبت أمام كلامه، لا نصول في هذا الباب ولا نجول، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به، فاثبتوا، النساء تحت الرجال.
بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، ومن جملة التفضيل: أن الرجل هو الذي يعيشها وينفق عليها، يشتغل عشر ساعات اثنتي عشرة ساعة، في الحر والبرد من أجل أن يوفر طعامها، وكساءها وسكنها، أليس هذا موجب للقوامة عليها والسيادة، وهي نائمة في بيتها الرجل هو الذي يحميها ويموت دونها، إن مست بأدنى مساس هو الذي يتلقى الضربات ويموت في سبيل ذلك.
إذاً: أولادها من يكسوهم، من يطعمهم، من يسقيهم؟
إذاً: فالرجل ينفق ماله، ومن أبرزه النفقة اليومية والمهر ما ننساه، دفع مهراً، وقد قلت لكم: ظهر في بلاد الهبوط: أن الرجل هو الذي يأخذ المهر! تقول: يا سيد تزوجني بكم؟ تقول: نعطيك خمسون ألف ريال، لا بأس!! موجود في العالم الهابط، لكنهم ممسوخون لا قيمة لهم في حكم الله وقضائه.
ثم ماذا؟ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] أي غيب هذا؟ هو العورة وما حولها: تحفظ فرجها، تحفظ صوتها، تحفظ وجهها، تحفظ كل جزئياتها عن الأجانب لتبقى مصونة كالحور العين في دار السلام: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ [الرحمن:72] محبوسات أو لا؟ أو يتجولن غاديات رائحات في السينمات والعبث واللهو والشوارع، هذه المرأة تبقى لها قيمة؟ حتى في الجنة. مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72] أو سائحات؟
إذاً: حافظات للغيب، ويفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اللفظ بقوله: ( خير النساء -أفضل النساء- من إذا نظرت إليها سرتك ) ابتسامة، وجه لين، عاطفة، تتجلى مظاهر الحب، لا معبسة ولا مقطبة ولا.. ولا، (إذا نظرت إليها سرتك)، ولا تقول: هذا يعود إلى الجمال، فقد كان عندنا أكيلة الذئب أسود.. رأسه أكله الذئب مشقق الوجه عينه زرقاء.. كذا، ولكماله ولعلمه ولتعبه ننظر إليه وكأنه درة أو ياقوته، وهذا يعود إلى قلبك، انظر إلى فاسق أو فاجر لن يعجبك جماله ولا كماله.
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك )، أم عثمان لا تخرجي أبداً إلا بإذني، لن تخرج أبداً، لو تغيب ألف سنة، طاعة، أم فلان لا تنطقي بهذا اللفظ لن يعود: ( إذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك )، حفظتك إذا غبت عنها أو لا؟
الحافظات للغيب، سافرت إلى مكان ما وتركتها تحفظك في عرضك، فلا تتكلم مع أجنبي ولا تخرج من البيت، ولا.. ولا، أبداً، ومالك محفوظ، لا تبذره ولا تنفقه في غير رضاك، ولا.. ولا، وتعود وتجدها كما كانت، هذه خير النساء.
فالمرأة التي ما سمعت بهذا الحديث يمكن أن تكون من هذا النوع.
أولاً: يجب أن يعرف هذا ويشاع ويصبح أحاديث بين الأسر، فتأخذ البنت من صغرها تعمل على أن تكون من خير النساء، خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك أفرحتك، وإذا أمرتها بأمر تطيقه وتقدر عليه أطاعتك ولا تعصيك أبداً، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك.
حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، هذه الجملة بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، حتى لا تشعر أنه في إمكانك أن تفعل ما تريد، وأن تترك ما تريد، لابد من إلجائك إلى الله، واضطرارك إليه، وسؤالك إياه أن يعينك على الفعل، وأن يعينك على الترك؛ فأنت في حاجة إلى الله في كل أحايينك.
فهمتم: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] أو لا؟
لا تتعنتر وتقول: أنا أحفظ زوجي في ماله ونفسه، يجب أن تعلم أنها في حاجة إلى الله، فتقول: أحفظه بإذن الله، بعون الله، بتوفيق الله، أؤدي هذا الواجب الذي وجب عليّ أن أحفظ زوجي إذا غاب عني في نفسي وفي ماله بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
فإن فرضنا ما نفع الوعظ، أو كان الزوج لا يحسنه .. ما عنده قدرة على الوعظ، لا يعرف شيئاً إلا العصا والصوت الغليظ، الوعظ ما في، يجب أن يتعلم وأن يعظها، ولا يحل أن ينتقل إلى الخطوة الثانية إلا بعد الفراغ من الأولى.
ما تعرف؟ ائت بأبيك أو أمك وعظوا هذه المسكينة، أنا ما عرفت أعظها فيوعظونها هم ؛ يبينون لها عواقب الطلاق ونتائج الفراق وأذية الزوج، وما يترتب عنه من غضب الله، فإن هي رجعت الحمد لله، أبت الخطوة الثالثة: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]؛ لأنها زوجة، بت معها على فراش واحد، وأعطها ظهرك ولا تلتفت إليها، ولا تكلمها ولا تجامعها، اتركيني، فحسب سنة الله لا تزيد على أسبوع وقد لانت وطابت، أو أربعون يوماً ما تصل ما تقوى أبداً، وتعلن عن ندمها وأسفها؛ وأني مطيعة، ويحصل الخير بإذن الله؛ لأن هذه تعاليم الله أو لا؟ من وضع هذا؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه.
فإن قست وتحجرت وما نفع وعظ ولا هجران، إذاً: فلم يبقَ إلا الضرب، واذكروا ما ذكر تعالى الضرب في القرآن إلا في إقامة الحدود، ثم في هذه القضية، ضرب الإنسان في الحدود، ثم في هذه القضية.
ومعنى هذا: أن التي ما نفعها وعظ ولا هجران، وتأهلت للضرب، أنها إن لم يتب الله عليها وتستعجل التوبة تهلك.
وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، هذا الضرب ليس معناه بالسيف أو بالرصاص، قال: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، الرسول بين لنا الضرب ما هو، كضربك ولدك لما يعصيك، كضربك تلميذك لما ما يأتي بواجبه، هذا الضرب الذي لا يكسر عضواً ولا يشين جارحة، كيف يشينها؟ يصبح وجهها أزرق، ملطخاً بالدم، كسر العضو: أصبع، يد، رجل. هذا حرام، وقد علمنا الفقه في هذه القضية، إذا هي كسر عضوها ليس هناك قصاص، وإنما هناك دية؛ لأنه ما هو عن عمد بل للتأديب، أما إن قتلها بالضرب فإنه يقتل قصاصاً، فإن الله ما قال: فاقتلوهن، قال: وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، الضرب غير القتل.
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا [النساء:34]، أي: لا تطلبوا عليهن سبيلاً لأذاهن، لا بالضرب ولا بالهجران، ولا بالوعظ والإرشاد، فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ [النساء:34]، وعلل لذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، إذا ظننت بعلوك وزهوك أنك فوق كل شيء، فاعلم أن علو الله فوقك، إذا فهمت أنك كل شيء، وقادر وأنت أعلى منها ومن أهلها، فالله أعلى منكم جميعاً، عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
وعظ هذا وتوجيه إلهي أو لا؟ هذا هو القرآن الذي يقرأ على الموتى، أوليس هذا هو؟ هذا القرآن يقرأ على الموتى، هذه دساتير وقوانين وشرائع، وأحكام سياسية، مالية، اجتماعية، عقائديه، أدبية، اهجروها واقرءوه على الموتى، أنا ما أطقت أبداً، هذا ما استطعت أصبر، كيف هذا الحكم الإلهي، هذه الشريعة، هذا القرآن نقرأه على موتى؟ أو كلامي ما هو واضح؟ أنا أرى هذا عبث، نضع ميت بين أيدينا ونقرأ عليه سورة النساء، من فعل بنا هذا؟
العدو، الثالوث، وهل أفقنا وعرفنا عدونا اليوم؟ ما زلنا سكرى.
العدو والله ليعمل ليل نهار -المجوس واليهود والنصارى- على إنهاء هذا النور وإطفائه، ونحن نجري وراء ما يشيرون به علينا ويخططونه لنا، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.. ما المخرج؟ الخلافة، انتظروا الخلافة، ما المخرج؟ قالوا: تحكيم الشريعة، حكموها بسم الله، ما نستطيع، ما المخرج؟ أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله، إسلاماً حقاً، عبد الله كأمة الله مستعد إذا قال الله: مت يموت، إذا قال الله: صم صام، إذا قال له: اسكت سكت، دهراً دائماً، هذا هو الإسلام، أما إسلام صوري ولفظي مسلم، ما أسلم شيئاً لله؟ إذاً: كيف تجتمع كلمة المسلمين؟ وكيف يحكمهم حاكم واحد؟ وكيف.. وكيف؟
ثم قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35] بين الزوجين، ماذا تصنعون؟ قال: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ [النساء:35]، لا بد وأن يكون الحكم أهلاً لذلك، أما حكم مثلي أو جاهل ما ينفع، يكون على علم ببيت فلان وما يجري ببيت فلان؛ لأنه من أهله ومن أهلها هي، فإذا حكم بالطلاق تم الطلاق، حكم بالاجتماع وعدم الافتراق تم ذلك، يجب أن يطبق حكم الله؛ لأنه بإذن الله تعالى، هل بهذا واجب أو مستحب؟ المهم الآن لا وجود له في العالم الإسلامي أبداً، ما السبب؟ ما سمعوا بهذا، ما في ثقة، ما بيننا مودة ولا إخاء ولا تلاقي حتى تقوم أنت وتريد أن تصلح ما بين فلان وزوجته.
[ فقال ولي المرأة: أردنا أمراً وأراد الله غيره ]، هذا إيمان وبصيرة وعلم (أردنا أمراً وأراد الله غيره)، أرادوا أن يقتصوا لابنتهم، وأراد الله غير ذلك، فحمدوا الله.
قال: [ أردنا أمراً وأراد الله غيره، وما أراده الله خير ]، إي والله، أرأيتم المسلم كيف؟ على الفور استسلم وانقاد.
قال: [ ورضي بحكم الله تعالى، وهو أن الرجل ما دام قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتي من عقل أكمل من عقلها، وعلم أغزر من علمها غالباً، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهايتها أبعد من نظرها، يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها، فلما وجبت له الرئاسة عليها، وهي رئاسة شرعية، كان له الحق أن يضربها بما لا يشين جارحة أو يكسر عضواً، فيكون ضربه لها؛ كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه ]، فهمتم معاشر المستمعين؟
قال: [ وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته، أمر الله تعالى بإكرام المرأة والإحسان إليها والرفق بها ]، هذا ربنا جميعاً، ربها وربنا، علمنا كيف نؤدي الواجب.
قال: [ أمر الله تعالى بإكرام المرأة وبالإحسان إليها والرفق بها؛ لضعفها وأثنى عليها فقال: فَالصَّالِحَاتُ [النساء:34]، وهن: اللاتي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام. قَانِتَاتٌ [النساء:34]، أي: مطيعات لله تعالى، وللزوج. حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34]، أي: حافظات مال الزوج وعرضه؛ لحديث: ( وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله )
بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، أي: بحفظ الله تعالى لها وإعانته لها، إذ لو وكلت إلى نفسها لا تستطيع حفظ شيء وإن قلَّ ]، ونحن كذلك، والله لولا عون الله ما اجتمعنا الليلة هنا، ولا سمعنا هذا الآية.
قال: [ وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمناً، وذلك أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة، والإحسان إليها، والرفق بها لضعفها ]، أو لا؟ الله يثني عليها وأنت تهينها، أنت ضد الله يعني؟ أو أنت أعلم منه؟ لا إله إلا الله.
قال: [ وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف -أي: قول محذوف- يفهم ضمناً، وذلك أن الثناء عليهن من قِبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها، وهذا ما ذكرته أولاً نبهت عليه هنا ليعلم أنه من دلالة الآية الكريمة، وقد ذكره غير واحد من علماء السلف.
وقوله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34] ] أي: طريقة لأذيتهن.
قال: [ فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت، أي: ترفعت على زوجها ولم تؤد إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما ]، ولهذا: ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت تبيت الملائكة تلعنها حتى تصبح ).
قال: [ فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت، أي: ترفعت على زوجها، ولم تؤد إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما؛ فيقول: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، أي: ترفعهن بما ظهر لكم من علامات ودلائل، كأن يأمرها فلا تطيع، يدعوها فلا تجيب، ينهاها فلا تنته -إذاً ظهرت علامة النشوز- قال حينئذٍ: فاسلكوا معهن السبيل الآتي:
أولاً: فَعِظُوهُنَّ [النساء:34]، والوعظ تذكيرها بما للزوج عليها من حق يجب أداؤه، وما يترتب على إضاعته من سخط الله تعالى وعذابه، وبما قد ينجم من إهمالها في ضربها أو طلاقها، فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات، وترهيب من عقوبة المفسدات العاصيات، فإن نفع الوعظ فيها وإلا فالثانية ].
الخطوة الثانية:
قال: [ وهي: أن يهجرها الزوج في الفراش فلا يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد أعطاها ظهره فلا يكلمها ولا يجامعها وليصبر على ذلك ]، أما إذا ما صبر وجامعها انتهت المحاولة ما تنفع يجب أن يصبر.
قال: [ فلا يكلمها ولا يجامعها وأن يصبر على ذلك؛ حتى تئوب وترجع إلى طاعته وطاعة الله ربهما معاً ].
قال: [ وإن أصرت ولم يجز معها الهجران في الفراش، فالثالثة وهي:
أن يضربها ضرباً غير مبرح لا يشين جارحة ولا يكسر عضواً.
وأخيراً: فإن هي أطاعت زوجها فلا يحل بعد ذلك أن يطلب الزوج طريقاً إلى أذيتها لا يضرب ولا بهجران لقوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34]، أي: الأزواج، فَلا تَبْغُوا [النساء:34]، أي: تطلبوا، عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء:34]، لأذيتهن باختلاق الأسباب وإيجاد العلل والمبررات لأذيتهن ]، يوجد مع بعض أهل الجهل.
قال: [ وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، تذييل الكلام بما يشعر من أراد أن يعلو على غيره بما أوتي من قدرة بأن الله أعلى منه وأكبر فليخش الله وليترك من علوه وكبريائه ]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
قال: [ هذا ما تضمنته هذه الآية العظيمة.
أما الآية الثانية: فقد تضمنت حكماً اجتماعياً آخر، وهو: إن حصل شقاق بين زوج وامرأته فأصبح الرجل في شق والمرأة في شق آخر فلا تلاقي بينهما ولا وفاق ولا وئام؛ وذلك لصعوبة الحال، فالطريق إلى حل هذا المشكل ما أرشد الله تعالى إليه، وهو أن يبعث ولي الزوجة حكماً من قبله، ويبعث ولي الزوج حكماً من قبله، أو يبعث الزوج نفسه حكماً وتبعث الزوجة أيضاً نفسها حكماً من قبلها، أو يبعث القاضي كذلك، الكل جائز، وواسع؛ على شرط أن يكون الحكم عدلاً عالماً بصيراً حتى يمكن له الحكم والقضاء بالعدل، فيدرس الحكمان القضية أولاً مع طرفي النزاع ويتعرفان إلى أسباب الشقاق وبما في نفس الزوج من رضا وحب، وكراهية وسخط ثم يجتمعان على إصلاح ذات البين، فإن أمكن ذلك فيها وإلا فرقا بينهما برضا الزوجين، مع العلم أنهما إذا ثبت لهما ظلم أحدهما فإن عليهما أن يطالبا برفع الظلم، فإن كان الزوج هو الظالم فليرفع ظلمه وليؤد ما وجب عليه، وإن كانت المرأة هي الظالمة فإنها ترفع ظلمها أو تفدي نفسها بمال فيخالعها به زوجها، هذا معنى قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا [النساء:35]، والخوف هنا بمعنى: التوقع الأكيد بما ظهر من علامات ولاح من دلائل، فيعالج الموقف قبل التأزم الشديد فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]؛ لأنهما أعرف بحال الزوجين من غيرهما.
وقوله تعالى: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا [النساء:35]، فإنه يعني الحكمين، يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]، أي: إن كان قصدهما الإصلاح والجمع بين الزوجين وإزالة الشقاق والخلاف بينهما؛ فإن الله تعالى يعينهما على مهمتهما ويبارك في مسعاهما ويكلله بالنجاح -لأنهم أرادوا الله فلا يخيبهم- وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35]، ذكر تعليلاً لما واعد به تعالى من التوفيق بين الحكمين؛ إذ لو لم يكن عليماً خبيراً ما عرف نيات الحكمين وما يجري في صدورهما من إرادة الإصلاح أو الإفساد ]، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
أولاً: تقرير] تعرفون التقرير أو لا؟ من القرارات [مبدأ القيومية للرجال على النساء وبخاصة الزوج على زوجته ]، فلو يأتي علماء النفس، والكيمياء، والطبيعة والسحر والعلم بأسره يقولون: لا، ليس من الصواب أن يكون الرجل هو القيم، نقبل؟ والله ما نقبل، أنرضى بالكفر بعد الإيمان؟ أنتبع الهوى والشياطين؟ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].
[ثانياً: وجوب إكرام الصالحات والإحسان إليهن ].
أيها الفحول! كيف حالكم مع نسائكم؟ لا تسأل يا شيخ! نحن مقلدون. يا عمياء! ما هذا؟ إيش هذا الطعام البارد.. أدنى شيء أنت طالق طالق طالق.. يقول: أنا غضبت، ما حملك على الغضب؟ لا إله إلا الله، والله لو تسجل لكم أصواتكم في البيوت لرأيتم العجب، لم الشيخ يتبجح هكذا؟ والله ستين سنة ما قلت لامرأتي كلمة سوء، ولا مسستها بيدي ولا بأصبعي، لم؟ هذا هو الإسلام، التربية في حجور الصالحين.
لما كنا في تبوك، قال القاضي: تسعون حالة طلاق في شهر واحد، تسعون بيت خربت، ما سبب هذا؟
الجهل من الجانبين، وعدم التربية من الطرفين، إذا كان أحدهما أعلى وأفهم يستطيع أن يلين الجانب، وأن يهبط بذلك العلو وأن يصلحه، ولكن الزوج كالزوجة، كلاهما في ظلام الجهل، (وجوب إكرام الصالحات)، أو لا؟ بم يكون إكرامهن؟ بالأدب واللطف والظرف والإحسان وعدم الهيجان، وعدم الإغضاب، هذا هو الإكرام، وعدم تحميلهن ما لا يطقن، وعدم طلبنهن ما لا يستطعن.
قال:[ ثالثاً: بيان علاج مشكلة نشوز الزوجة وذلك: أولاً: بوعظها، ثانياً: بهجرانها ثالثاً: بضربها الضرب المعروف ].
اسمحوا لي معشر المستمعين، أقول: كيف ندرس هذا الدرس ونخرج منه وما نعرف التأديب الذي ذكره الله تعالى لنا، ولا نقصه ولا نتحدث به، بالعامية، يا شيخ! إذا نشزت أوخفت من نشوز امرأتك ماذا تفعل معها؟ تقول: ما ندري، كيف ما تدري؟ ما حضرت، ما سمعت؟ ماذا تفعل يا إدريس أيها الزوج الجديد؟
أعظها أولاً؛ فإن لم ينفعها الوعظ بعد عام شهر هجرتها في الفراش، ما نفع الهجران ضربتها، هذا يجب أن يحفظه كل مؤمن أو مؤمنة.
قال: [ بيان علاج مشكلة نشوز الزوجة وذلك بوعظها أولاً، ثم بهجرانها في الفراش ثانياً، ثم بضربها ثالثاً ضرباً غير مبرح ].
ما معنى ضرب غير مبرح؟ لا يكسر عضواً، ولا يشين جارحة.
[ رابعاً: لا يحل اختلاق الأسباب وإيجاد المبررات لأذية المرأة بضرب أو بغيره ].
حرام على العبد أن يختلق أسباباً ويوجد مبررات من أجل أن يتوصل بها إلى أذية المؤمنة، ما تريدها طلقها، لماذا تبحث عن مبررات حتى تضربها أو تؤذيها؟
[لا يحل اختلاق الأسباب وإيجاد مبررات لأذية المرأة بضرب أو غيره.
خامساً: مشروعية التحكيم في الشقاق بين الزوجين وبيان ذلك في الآية مبيناً ومفصل].
معاشر المؤمنين! نسأل الله أن يعيننا على العلم والعمل به.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر