إسلام ويب

تفسير سورة النساء (37)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في كل وقت وحين يحصل الافتراق، ويقع الخلاف، وقد أمر الله عز وجل عباده إذا نشب بينهم الخلاف أن يكون مردهم والحكم الفصل بينهم هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أمر الله عز وجل به يطاع، وما وجه به النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل، وتترك أفكار الناس واجتهادات البشر جانباً؛ لأنهم قاصرون، يحصل منهم الخطأ كما يحصل منهم الصواب وما من أحد منهم معصوم.
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فالحمد لله على هذا الإفضال والإنعام.

    وأخرى يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه، كان كالمجاهد في سبيل الله ).

    وثالثة: الملائكة تصلي علينا: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم؛ حتى نصلي العشاء ونخرج من المسجد، ماذا نبغي بعد هذا؟!

    والوقت ليس بمانع لنا من طلب عيشنا والحصول على أقواتنا، كل البشر كفاراً ومؤمنون إذا دقت الساعة السادسة تفرقوا للهو والباطل وتركوا العمل، ونحن لم لا نتفرغ لذكر الله، لطلب الهدى، للتزلف إلى الله، لذكره وتلاوة كتابه؟ وا أسفاه.. وا أسفاه.. أين ذهبت أمة رسول الله؟ صرفوها عن بيوت الله؛ لتجهل، فتضل فتفسق وتفجر وتحرم سعادة الدنيا وكمالها.

    بالأمس تلونا آيتين ودرسنا الأولى منهما، فإليكم إعادة التلاوة، وأذكركم فيما بعد بما فهمناه من الآية الأولى ونتدارس الآية الثانية إن شاء الله.

    يقول تعالى ونحن في سورة النساء: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:58-59].

    بالأمس خرجنا مطمئنين على أننا من أهل الأمانات، والذين كان فيهم مرض وضعف وصفنا لهم تلك الوصفة الربانية ذات الأرقام الثمانية، وهم يعملون بها ويعالجون ما أصابهم من ضعف على ضوئها، وأصبحنا تضع عند أحدنا مليار دولار، والله لا يخونك في ريال واحد، أودعه ما شئت وقل له: احفظ هذا أمانة عندك، يحفظ ذلك ولو يموت دونه؛ لأننا عرفنا الأمانة التي أمر الله تعالى بحفظها وأدائها، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ [النساء:58]، يا عباده.. يا أولياؤه! أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

    وجوب العدل في الحكم وعدم الحيف فيه

    يقول الله تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58].

    معشر الإخوان، معشر المؤمنين والمؤمنات! ليس شرطاً أن تكون قاضياً فتعدل أو حاكماً، كلنا مأمور أن يعدل:

    أولاً: بين نسائه. ثانياً: بين أولاده. ثالثاً: في صحبته. رابعاً: أن يعدل وأن يكون عدلاً في كلامه إذا تكلم، فلا يجر ولا يحيف. أن يعدل في طعامه وشرابه، فلا يسرف حتى يثخن فيهلك، ولا يقلل ويجف حتى ييبس ويعجل. في إنفاقه على أهله يجب أن يعدل، يجب أن يعدل في مشيه ما يتماوت ولا يجري ويسرع؛ يعتدل، العدل مأمور به، والعدل خلاف الجور والظلم، حاجة بين شيئين اعتدلت، مالت انحرفت، العدل في القول والفعل والقضاء والحكم كل من أسند إليه أمر ليحكم فيه يجب أن يعدل؛ لأن الله أمر به أو لا؟ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58]، سواء كنت أميراً أو كنت قاضياً أو مسئولاً، أو كنت في بيتك أو كنت في سوقك، أو كنت حيث ما كنت، إذا أسند إليك القضاء في قضية فاعدل، ولا تخش إلا الله.

    والذين لا يعدلون يا ويلهم؛ لأنهم عصوا الله عز وجل، ما أطاعوه في ما أمر وفرض.

    إن الله نعما وعظنا به، إذا أمرنا بأداء الأمانات بيننا؛ ليسود الإخاء والمودة والولاء، وأمرنا بالعدل بيننا؛ حتى لا يبقى ظلم ولا جور ولا حيف، وبذلك تصبح أمة كأننا كواكب في السماء، فقط لو أطعنا الله في هذا الحكم لسدنا، لا إله إلا الله، يا شيخ! بلايين المسلمين ما درسوا هذا الآية، ولا سمعوا بها، كيف نعدل؟ وكيف نعرف؟

    إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء:58]، أي: يأمركم به العدل وأداء الأمانة، عليهما تستقيم المجتمعات البشرية، فإذا خينت الأمانة وعبث بها، وجير في الحكم والعدل هبطت الأمة، تصبح كالكلاب، يأكل بعضها بعضاً؛ ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا [النساء:58]، لأقولكم، بَصِيرًا [النساء:58]، بأحوالكم، والظاهر كالباطن، فراقبوا الله عز وجل. والآية بعد هذه اسمعوا هذا النداء الإلهي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088536890

    عدد مرات الحفظ

    777192310