إسلام ويب

تفسير سورة النساء (48)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله عز وجل لعباده أنه ما من مهرب من الموت، فمن كره الجهاد في سبيل الله وقتال الأعداء مخافة الموت والهلكة فليعلم أن الموت آتيه لا محالة، سواء طال به العمر أو قصر، وسواء كان يسكن بيتاً من شعر أو برجاً مشيداً من الحديد والصلب، فالموت شر ومصيبه؛ لكنه لا يكون إلا بقدر الله، ولا يصيب إلا من كتبه الله عليه في وقته ومكانه، فهو سبحانه وتعالى خالق الموت والحياة وهو العزيز الحكيم.
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، لهذا ندرس كتاب الله.

    وها نحن مع سورة النساء المباركة، ومع الآيات الثلاث التي تناولناها الليلة الماضية بالدرس والتفسير وما زلنا معها.

    هيا أتلوها وأنتم تتدبرون وتتفكرون في معانيها، وما تهدف إليه، وما تدعو له من العقيدة الصحيحة السليمة، والعبادات التي شرعها الله لتزكية النفوس والآداب التي يسمو بها المؤمن عن غيره من سائر الناس، والله عز وجل أسأل أن ينفعنا بما ندرس، وبما نعلم ونعمل.

    تلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:77-79].

    بالأمس عرفنا أن بعض ضعاف الإيمان -وقد يدخل معهم في هذه الحظيرة المنافقون- كانوا يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يأذن لهم في قتال فلان وفلان سواء بالاغتيال أو بدون اغتيال، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى أوامره من ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه، فلم يسمح لأحد منهم أن يشفي صدره بقتل فلان أو فلان.

    ولما وجدت القوة الكافية لمواجهة الكافرين، أنزل الله تعالى قوله من سورة الحج: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:39-40]؛ فأذن للرسول والمؤمنين بالقتال، فأعلن ذلك، وأما أولئك الذين كانوا يريدون أن يقاتلوا لما فرض القتال أحجموا وجبنوا وتأخروا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [النساء:77] يكفي إقام الصلاة لتزكية نفوسكم وتهذيب أرواحكم، والزكاة في مساعدة إخوانكم الفقراء من المهاجرين وغيرهم.

    فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ [النساء:77] من كتبه؟ الله، ما معنى (كتبه)؟ فرضه فرضاً مؤكداً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ [النساء:77] من أولئك الذين كانوا يطالبون بالجهاد إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء:77] والعياذ بالله!

    جماعة منهم يخافون الناس أكثر مما يخافون الله عز وجل، كيف يقاتلون، كيف يجاهدون؟ وزيادة على ذلك وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77] حتى يكثر عددنا، وتكثر عدتنا، وما قالوا هذا إلا في فراراً من المعركة وخوفاً من الموت؛ لأن إيمانهم مهزوز ضعيف لا وزن له.

    لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء:77] كالعام والعامين والثلاثة حتى نتقوى؛ فأمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم: قُلْ [النساء:77] يا رسولنا قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى [النساء:77] ماذا تريدون من التأجيل والتأخير للعام والعامين والثلاثة، تريدون الدنيا؟ متاعها قليل وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77] أي: مقدار فتيل، والفتيل خيط رقيق أبيض يوجد في نواة التمر، إذا شققت التمرة وجدت النواة في داخلها خيط رقيق جداً وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77] تعطون أجوركم كاملة عن إيمانكم وصالح أعمالكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537515

    عدد مرات الحفظ

    777198245