إسلام ويب

تفسير سورة النساء (57)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • توحيد الله عز وجل في العبادة وإقامة شعائر دينه هو الهدف الأسمى والمطلب الأعظم من العباد، والعبد المؤمن مطالب بإقامة هذه الشعائر في بلده وأرضه، فإن لم يستطع وحيل بينه وبين ذلك وجب في حقه الهجرة إلى بلد يستطيع فيه إقامة شعائر دينه، ولا عذر له في عدم الهجرة ما لم يكن من الضعفة أو النساء أو الولدان، الذين لا يقدرون على الهجرة ولا يهتدون إلى مسالكها، فأولئك عفا الله عنهم مكثهم بين ظهراني المشركين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس بإذن الله كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وقبل الشروع في دراسة آيات جديدة أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات تفسير الآيتين اللتين درسناهما البارحة.

    يقول تعالى: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ [النساء:95]، رجال دفعوا أموالهم وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الله، وآخرون بخلوا بالمال وضنوا بالنفس فكيف يستوون؟ لا يستوون أبداً.

    فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً [النساء:95]، والقاعدون هم أولو الضرر، إذ إنهم قعدوا لعلل قامت بهم، كالعرج والعمى والمرض، فهل يستوون مع المجاهدين؟ لا، ولكن لهم درجة.

    وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [النساء:95]، ما الحسنى يا أبناء الإسلام؟ الجنة، قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى [يونس:26]، وللذين أساءوا جهنم والعياذ بالله، والسر والعلة هو أن من أحسن فقد زكى نفسه وطيبها وطهرها فأصبحت أهلاً للملكوت الأعلى كأرواح الملائكة في الطهر والصفاء، ومن أساء إليها فقد خبثها ودساها ودفنها بأوضار الذنوب والآثام، وهذه النفس خبيثة منتنة كأرواح الشياطين، وهيهات هيهات أن تفتح لها أبواب السماء وتدخل الجنة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، فمستحيل أن يدخل البعير في عين الإبرة، وكذلك صاحب النفس الخبيثة الملطخة بأوضار الذنوب والآثام مستحيل أن تفتح له أبواب السماء، وأن يخترق مسافة سبعة آلاف وخمسمائة عام.

    إذاً: من الليلة نعزم على ألا يبقى بيننا سارق ولا زان ولا كاذب ولا مراب ولا مشرك ولا ضال، وذلك حتى نسعد ونكمل في الدنيا والآخرة.

    لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، فلا سعادة أعظم من النظر إلى وجه الله الكريم، إذ يرفع الجبار الحجاب عن وجهه فينظرون إليه فتغمرهم فرحة ما عرفوها، اللهم اجعلنا منهم.

    فهيا إذاً نطهر هذه الأرواح، فلا غل ولا غش ولا كبر ولا حسد ولا شرك ولا رياء ولا نفاق، لكن لا بد من العمل، إذ يقول الله تعالى في سورة النساء: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، فكن أبيضاً أو أسوداً، أعجمياً أو عربياً، ابن النبي الفلاني أو أباه، كل هذا لا قيمة له، وإنما فقط قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

    مرة أخرى: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ [النساء:95]، لمرض، دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:95-96].

    في البارحة قد تهيأنا للجهاد بالنية، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات )، ويقول أيضاً: ( إن بالمدينة رجالاً ما سلكتم فجاً ولا سرتم مسيراً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر )، فالمسلمون الآن محبوسون بالعذر، إذ إنه ليس هناك خلافة إسلامية تحمل راية لا إله إلا الله، وتدعو إلى الله وتقاتل من أجلها.

    إذاً: فنحن الآن فقط ننتظر حتى يرفعوا راية لا إله إلا الله، أي: حتى يعلنها إمام المسلمين فيقول: الله أكبر، وعند ذلك يكون قد أتيحت لنا الفرصة، أما الآن فليس هناك فرصة أبداً، لكن لا يوجد الآن بلد في العالم يمنعنا من أن نصلي ونؤذن فيه، يمنعنا من أن نقيم الصلاة فيه، أو ندعو فيه إلى أن نعبد الله وحده، حتى روسيا البلشفية الحمراء تحطمت وانتهت، فلأي شيء نغزو؟!

    كما ذكرنا كلمة وكررناها كثيراً وما بلغني أن مستمعاً نقلها قط، وهي أنه ما دام أن الله قد فتح لنا الدنيا بتدبيره وهو العليم الحكيم، فيجب أن تكوَّن لجنة عليا من علماء هذه الملة -أهل الكتاب والسنة- يشارك فيها كل بلد إسلامي بعالمين، وتصبح أفراد هذه اللجنة ثمانون عالماً أو نيفاً وثمانون، ويضعون خارطة للكرة الأرضية من البرازيل إلى كذا، ويعرفون الجاليات الإسلامية في كل بلد، فأوروبا شرقها غربها، وأمريكا الشمالية والجنوبية، وكندا، والشرق بكامله، واليابان، والصين، فيعرفون كل جالية أين هي موجودة؟ وكم عدد أفرادها؟ كم مسجداً فيها؟ وما حاجتها؟ وبعد ذلك يعلنون للمسلمين إعلان السر حتى لا يرهبوا أعداء الإسلام: أن على كل مسلم في العالم أن يساهم بدينار واحد، فإذا كان عدد أفراد الدولة الفلانية عشرة ملايين، افرض أن خمسة ملايين من النساء، وبالتالي يؤخذ منهم خمسة ملايين دولار، وكذلك دولة عدد أفرادها مثلاً عشرون مليوناً، فيؤخذ منهم عشرة ملايين، وتصبح ميزانية لا نظير لها، وبحالة من السر والخفاء.

    ثم إن هذه اللجنة تتولى توزيع الكتاب، وتتولى إرسال المربين والمعلمين والمزكين للأرواح، وتتبنى بناء المسجد، وتوحد المذهب، فلا مذهبية ولا طائفية، وإنما قال الله وقال رسوله، وذلك كعهد رسول الله وأصحابه وأولادهم، فلا حنفي ولا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي ولا أباضي ولا زيدي، وإنما فقط مسلم، قال الله وقال الرسول.

    ولا تعجب فنحن لنا أكثر من أربعين سنة ونحن لا ندرس مذهباً معيناً، وإنما قال الله وقال رسوله، وذلك حتى تنتهي الفرقة نهائياً، فلا إقليمية ولا طائفية ولا وطنية هابطة، وإنما مسلمون فقط، ويأخذ ذلك النور يمتد في تلك الأراضي المظلمة، فوالله ما هو إلا ربع قرن وقد أصبح الإسلام فوق ما نتصور.

    وإذا استقام المسلمون في الجاليات فسوف ينتقل إلينا من بركتهم ما يجعلنا نستقيم نحن في بلادنا الإسلامية، إذ إننا نستحي ونخجل عندما لا نستقيم كاستقامتهم، فلمَ لا نفعل هذا وقد أراحنا الله من الجهاد بالسيف والرشاش والصاروخ؟!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533449

    عدد مرات الحفظ

    777175404