إسلام ويب

تفسير سورة النساء (88)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بين الله عز وجل في أوائل هذه السورة حكم من مات وخلف مالاً، وليس له آباء ولا أبناء ولا زوج وله إخوة من الأم فإنهم يرثونه، فإن كان واحداً فله السدس، وإن كانوا أكثر من واحد فهم شركاء في الثلث، أما في هذه الآية وهي آخر آية في السورة فقد بين نصيب الإخوة الأشقاء أو من أب، فالأخت الواحدة لها من أخيها نصف ما ترك، والأختان لهما الثلثان، والأخ يرث مال أخته كاملاً، والإخوة مع الأخوات يرثون الأخ أو الأخت فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الفضل واجعلنا من أهله يا ذا الفضل العظيم.

    وها نحن مع آخر آية من سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، سورة الأحكام الشرعية، هذه الآية هي آية الكلالة، وقبل الشروع فيها أذكر نفسي والمستمعين والمستمعات بما اشتملت عليه الآيتان اللتان درسناهما بالأمس، وذلك بعد قراءتهما تذكيراً للناسين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:174-175].

    هداية الآيات

    قال الشارح: [ من هداية هاتين الآيتين الكريمتين: أولاً: الدعوة الإسلامية دعوة عامة، فهي للأبيض والأصفر على حد سواء ]، وأخذنا هذا من قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:174]، فلفظ (الناس) عام في البشر كلهم، لا فرق بين العرب والعجم، ولا بين الأبيض والأصفر، وإنما دعوة الإسلام دعوة عامة، وينبغي أن تنشر في العالم بأسره، وليست خاصة بجيل من الأجيال ولا بقبيلة من القبائل، وإنما هي دعوة الله للبشرية جمعاء من أجل أن تطهر وتكمل وتسعد في حياتها الدنيوية، ثم تسعد في الحياة الخالدة الباقية في العالم الأعلى.

    فقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [النساء:174]، أخذنا منه أن الدعوة الإسلامية دعوة عامة، فهي للأبيض والأصفر على حد سواء.

    قال: [ ثانياً: إطلاق لفظ البرهان على النبي صلى الله عليه وسلم ]، فنبينا اسمه محمد وأحمد، وقد سماه الله برهاناً، قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء:174]، والبرهان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ قال: [ لأنه بأميته وكماله الذي لا مطمع لبشري أن يساميه فيه، برهان على وجود الله وعلمه ورحمته ]، أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم برهان على أنه نبي الله ورسوله، فلا يحتاج إلى حجج أخرى تقوى أو تضعف، فهو أمي لم يقرأ ولم يكتب، فيخرج على البشرية بعلوم ومعارف ما كانت تعلمها ولا تحلم بها، فكيف لا يكون رسول الله؟!

    قال: [ ثالثاً: القرآن نور ]، إي والله فالقرآن نور، والنور يستفاد منه في الظلام، والحياة كلها ظلام، فلا شمس تغني ولا القمر، ولكن النور الذي به النجاة هو القرآن العظيم، فمن آمن به وقرأه وعرف ما يحمله من الهدى والنور، وأخذ يعمل به فقد نجا، واهتدى إلى دار الكمال والسعادة، ومن رماه وراء ظهره ولم يؤمن به ولم يقرأ ما فيه ولم يتعرف إلى ما يحمله من الشرع والهداية الإلهية، فهو والعياذ بالله في عداد الخاسرين.

    قال: [ ثالثاً: القرآن نور من أجل ما يحصل به من الاهتداء إلى سبل النجاة وطرق السعادة والكمال ]؛ لأن الله تعالى قال: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ماذا؟ ما قال: قرآناً، وإنما قال: نُورًا مُبِينًا [النساء:174]، وفي آية أخرى قال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، فهيا نبلغ البشرية أنها إذا لم تؤمن بالقرآن وتعمل بما فيه فهي والله لفي الظلام، ولا يمكنها أن تهتدي لسعادتها وكمالها في الدارين إلا بهذا النور، والواقع شاهد على ذلك، فانظر إلى الشرق والغرب، وانظر إلى البشرية في عصور رقيها وحضارتها، هل تجاوزت موضع شبر البهائم؟ هل خلت من الخبث ومن الظلم ومن الشر ومن الفساد؟ والله لم تخلو منه ولن تخلو.

    قال: [ رابعاً: ثمن السعادة ودخول الجنة الإيمان بالله ورسوله ولقائه والعمل الصالح، وهو التمسك بالكتاب والسنة المعبر عنه بالاعتصام ]، إذ قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ [النساء:175]، ألا وهي الجنة دار السلام، وَفَضْلٍ [النساء:175]، أي: ويزيدهم من فضله من أنواع الإنعامات والإفضالات، ومن النظر إلى وجهه الكريم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088466892

    عدد مرات الحفظ

    776892474