إسلام ويب

تفسير سورة النساء (9)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جعل الله عز وجل من أسباب الإرث النسب، وهذا الصنف يرث فيه الآباء والأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين، والصنف الثاني يرث بالمصاهرة، وفيه يرث الأزواج والزوجات، فمن لم يكن له أبناء ولا آباء ولا زوج فإنه يورث كلالة، فيرثه من يحوطونه من الإخوة والأخوات، فإن كان واحداً من أمه فله السدس، وإن كانوا أكثر من واحد من الأم أيضاً فهم شركاء في الثلث.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن في سورة النساء ومع آيتي التركات والوراثة:

    معنى قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم ...)

    الآية الأولى اشتملت على بيان وصية الله تعالى لنا بتقسيم التركة حسب علمه تعالى وحكمته؛ إذ قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، مات مؤمن وترك أهلاً وأولاداً، أربع بنات وثلاثة أولاد، إناث وذكر واحد.

    هنا التركة تقسم حسب علم الله وأمره: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، إذا أخذ الرجل ألفاً تأخذ المرأة نصفه، أخذت المرأة ألفاً يأخذ الذكر ألفين.. وهكذا، قاعدة عامة مشى عليها المسلمون منذ أن نزل هذا القرآن إلى اليوم: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، يجب على العامي أن يحفظ هذه الجملة: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].

    فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً [النساء:11] ما ترك ذكوراً، ترك بنات كبيرات أو صغيرات: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] فماذا يعطون؟ ثلث التركة، والثلث الباقي لأولى رجل ذكر من العصبة، وإن لم يكن عدداً من البنات وكانت بنت واحدة فلها النصف، اسمع الآية:

    يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11].

    وإذا كان هناك أبوان: أبا الميت وأمه، فقال تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11] مع الذكور والإناث، أو مع الإناث فقط، أو مع البنت الواحدة، مادام الميت ترك ولداً ذكراً أو أنثى، الأب والأم السدس.

    إذاً: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، الولد يطلق على الذكر والأنثى بمعنى المولود.

    فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ [النساء:11] فقط، مات سعيد ولم يترك ولداً، وإنما ترك والده إبراهيم وأمه زليخة، فكيف يقتسمان التركة؟ الثلث للأم والثلثان للأب: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].

    فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11]، مع الأب والأم عنده إخوة له هو فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] حجبت من الثلث إلى السدس ببركة هؤلاء الإخوة.

    فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11]، فإن كان له أخ فقط ما يحجبها، ذراعه ما هو طويل، ما يغطيها أبداً، أما إذا كانوا اثنين وثلاثة نزلوا بها من الثلث إلى السدس؛ وذلك كله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، وقدمت الوصية؛ لأنها عادة لا يوجد من يدافع عنها، وصية للمسجد أو لطلبة العلم أو فقراء، بخلاف الدين فكل من له دين يقف عند الباب يطالب بدينه، ذي لطيفة قرآنية!

    قد يقول قائل: لِم قدمت الوصية عن الدين، مع أن الدين أوجب أو لا؟ الوصية إذا كانت أكثر من الثلث باطلة، أليس كذلك؟ ولكن الدين الريال والمليون أصحابه يطالبون في الدنيا والآخرة.

    مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا [النساء:11] أي: الميت أَوْ دَيْنٍ [النساء:11].

    ثم قال تعالى: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ [النساء:11] كلهم هؤلاء: لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11]، إذاً: فلا تتململوا وتقول: لِم أعط السدس، لِم أعط الثلث؟ لم أعط الكل؟ ما هو شأنكم أليسوا بآبائكم وأبنائكم؟ أنتم.. أنتم.

    لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11]، فرض هذه الفريضة لا تقبل أبداً الاحتيال ولا الإيقاف ولا التصرف لا بد من إيجادها، ومن الفارض لها؟ العليم الحكيم.

    لو كان الذي فرضها جاهل يراجع القضية ما عنده علم، لكنه الذي علم وأحاط علمه بكل شيء، وعلم بالأشياء قبل أن يوجدها، ولولا ذلك العلم والله ما نوجد في الحياة عام واحد وانتهت، كيف بآلاف السنين؟

    حكيم، لو كان أحمقاً لا يفرق بين الحق والباطل، ممكن أعطى السدس والحق أنها تستحق الثلث؟ يقع وهذا احتمال أو لا؟ لكنه الحكيم، هو خالق الحكمة وواهبها، فكيف تنقصه، فلا يضع الشيء إلا بموضعه.

    وأؤكد لكم: هذه البشرية كلها لو تريد أن تنتقد الله في حكم من الأحكام! وتريد أن تستبدله بما هو خير، والله الذي لا إله غيره ما حصلت ولا وصلت إلى هذا المستوى، مستحيل.

    هذه الآية الأولى فيها بيان ماذا؟ الوراثة بالنسب.

    معنى قوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ...)

    الآن مع الآية التي فيها وراثة بالمصاهرة؛ إذ علمنا أن أسباب الميراث ثلاثة، ما هي؟

    النسب، والمصاهرة، والولاء، من منكم يذكر آية فيها ذكر النسب والمصاهرة؟

    قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54]، إما بفلان بفلان، وإما فلان زوج فلانة، كل البشر هكذا، إما نسباً وإما صهراً.

    وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا [الفرقان:54] آدم فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54].

    الآن آية النسب عرفناها: كيف نوزع تركتها.

    مع الآية الثانية أو بعضها، وهي آية المصاهرة، قال تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، إذا مات الرجل.. لا، إذا ماتت السيدة -باللغة المصرية- إذا ماتت السيدة فلزوجها نصف تركتها، وإذا مات السيد فلزوجته ربع التركة؛ بشرط: ألا يكون هناك ولد.

    وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] أي: الزوجات: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا [النساء:12]، والمرأة توصي أو لا؟ نعم توصي، لها حق في الثلث، توصي به للمسجد، للفقراء، لطلبة العلم، للحجاج، للمسافرين: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، والمرأة قد يكون عليها دين أو لا؟ إي نعم، وَلَهُنَّ [النساء:12] أي: النسوة الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:12]، هذه آية المصاهرة مختصرة، واضحة.

    رجل مات وترك زوجته، ماذا ترث الزوجة هذه؟

    ترث الربع إن لم يكن له ولد، فإن كان له ولد أو أولاد؛ فلها الثمن.

    العكس: الزوجة ماتت ولم تترك ولداً، وتركت مبلغ عند الراجحي مليون ريال، فللزوج كم؟ النصف، فإن كان لها ولد منه أو من غيره فله الربع فقط.

    تأملوا: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ [النساء:12]، أي: الزوجات الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] أيها الرجال إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [النساء:12].

    معنى قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة ...)

    ننتقل إلى باقي الآية لا بأس، ونراجع، يقول تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، هذه ما جاءت في الآية الأولى لحكمة: وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12].

    هذه الجملة تسمى: الكلالة، إرث الكلالة، ما هي الكلالة؟ هي أن يهلك الهالك- وكلنا هالك إلا وجه الله- ولا يترك أباً ولا أماً ولا ولداً ولا بنتاً، وترك إخوته من أمه؛ فإن كان أخ فقط له السدس، فإن كانوا اثنين فأكثر فهم شركاء ولهم الثلث.

    لِم سميت الكلالة كلالة؟ لأنها كالإكليل على الرأس؛ لأنهم يحيطون به، ما هم أصول ولا فروع، ولكن يحيطون به، وستأتي كلالة وهي: إخوة من الأب والأم في آخر سورة النساء، غداً إن شاء الله، لكن هذه كلالة خاصة بالإخوة للأم.

    اسمع النص: يقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ [النساء:12] أي: يوجد رجل يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] أي: ما عنده أب ولا أم ولا ولد، أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] إذ لا فرق بين الرجل والمرأة، الذي يورث كلالة من هو؟ رجل ما ترك أباً ولا ولداً، أو امرأة ماتت وما تركت أباً ولا ولداً، ورثها إخوتها لأمها، لا فرق بين الرجل والمرأة.

    وَإِنْ كَانَ [النساء:12] أي: وإن وجد رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] تورث كلالة: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، مات الرجل ولم يترك أباً ولا أماً، ولا ولداً، ولكن ترك أخته فقط، كم لها؟السدس.

    ما ترك أختها ترك أخاً، كم له؟ السدس: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [النساء:12] على انفراد: السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12]، اثنين، ثلاثة عشرة.. عشرين: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، انظر إلى ما تقدم، تجد هذه هي تركة المرأة، هذا هو إرث المرأة، المرأة ترث السدس مع الولد أو لا؟

    إذاً: هذا الولد، انفرد بالأخ هذا يرث كما ترث المرأة السدس، فإن كانوا أكثر من ولد، أكثر من أخ؟ شركاء في الثلث؛ لأن المرأة إذا لم يوجد ولد تأخذ الثلث.

    هيا نتلو الآية وتأملوا: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12] كان بمعنى: وجد، (كان) تامة: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]، ما معنى: يورث كلالة، أي: يرثه من يحيطون به من غير الآباء والأولاد.

    (كلالة) وسميت بذلك لأنهم الإكليل على الرأس، ومن يرث هذا الميت؟

    ليسوا بأصول ولا فروع، لا أب ولا ابن ولا أم ولا بنت، يرثه من؟ إخوته الذين يحوطون به.

    قال: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12]، إما ترك أخاً أو ترك أختاً لأمه: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، يأخذ السدس ومع السلامة، والباقي للأعمام، لأبناء الأخ: ( لأولى رجل ذكر )، وهم العصبة.

    قال: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12] ثلاثة أربعة إخوة لأمه: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].

    لطيفة! أنتم الآن إن شاء الله فهمتم: أن الميت إذا مات وما ترك أباً ولا ولداً ولا أماً، ترك إخوته لأمه فقط، كيف يأخذون التركة؟ إن كان واحد أو واحدة أخذ السدس، كانوا اثنين.. ثلاثة فأكثر أخذوا الثلث، والباقي لمن؟ للعصبة؛ عمه ابن عمه، ابن أخيه مثلاً.

    المسألة الحجرية أو الحمارية

    في قضية تسمى بالحجرية، أو الحمارية نتجت عن هذه، وهي -سلمكم الله-: أن تموت امرأة وتترك زوجها وأمها وإخوة لأمها، وأخاً لأبيها أو لأبيها وأمها، كيف نقسم هذه التركة؟

    نقول: الزوج صاحب النصف، ما نتردد، والأم ترث الثلث، ما في من يحجبها عن الثلث؟

    وأما الإخوة لأم، فإذا كان الزوج له النصف، وهو ثلاثة من ستة، والأم لها اثنان وهي الثلث من ستة، وبقي واحد يرثه الإخوة لأم والأخ الشقيق أو لأب ليس له حظ هنا، لأنه ما بقي شيء.

    هذه القضية رفعت إلى عمر ، فشكا الأخ للأب أو الشقيق، قال: يا عمر افرض أن أبانا حجراً، أليست أمنا واحدة، كيف نحرم؟ فسموها الحجرية.

    أو: يا عمر : افرض أن أبانا حماراً أليست أمنا واحدة، لِم نحرم نحن؟ قال: ما بقي لكم شيء، الزوج صاحب النصف، والأم صاحبة الثلث، والإخوة للأم لهم السدس.

    قال: [ وهذا ما يعرف بالحجرية أو الحمارية أو المشتركة يعني: أن تموت امرأة وتترك زوجها وأمها وإخوة لأمها وأخاً لأبيها وأمها: فللزوج النصف، وللأم السدس -لأن الأولاد حجبوها من الثلث- وللأم السدس، والباقي للإخوة لأم، ولا شيء للإخوة لأب، أو لهما معاً، وسميت بالحمارية؛ لأنهم لما منعوا قالوا للقاضي بينهم: هب أن أبانا حماراً، أليست أمنا واحدة، كيف ما تعطينا، وقالوا: هب أن أبانا حجراً، أليست أمنا واحدة، وطالبوا بتشريكهم في الإرث فسميت بالمشتركة ].

    حكم الجور في الوصية من قبل مورث الكلالة

    نعود إلى آية الكلالة، يقول تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ [النساء:12] وإن كانت امرأة لا فرق بين الرجل والمرأة: (يورث كِلالة) أي يرثه من يحوطون به، لا الآباء ولا الأولاد، من الإخوة، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، كذا البنت لها السدس ولد له السدس؛ لأنه واحد فقط، والباقي للعصبة: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:12]، ثلاث أخوات مثلاً أو إخوة: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12] فقط؛ وذلك مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، هذه اللطيفة ما جاءت في الأولى؛ لأن المورث يعرف الوارثين له: إخوة لأم، والإخوة للأب والأشقاء ممنوعين، فيوصي، أو يدعي أن لفلان عليه دين كذا، فإذا ثبت أنه ادعى ديناً وهو لا وجود له، أو أوصى بوصية وهو غير صادق فيها فهذه قسمة باطلة، ولا يصادق على الوصية ولا على الدين؛ لأن هذا الدين أراد به الإضرار بالذين يرثون وهو لا يريد أن يرثوا، لاسيما وقد يحرم ابن امرأته من أخ لأب أو لأم وأب.

    فقال تعالى: أَوْ دَيْنٍ [النساء:12] حال كونه غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء:12]، ومضار بمعنى مضارر، للتبعيض أدغمت الراء في الراء: غير مضارر، وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ [النساء:12].. هذا الذي قرأناه كله وصية من الله، وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12]، ووصية الله يجب أن تنفذ أو لا؟

    وسبق أن قلت لكم: إن الأمر أهون من الوصية، الوصية آكد، وكل العقلاء ينفذون الوصية، بخلاف الأمر، وصية هذه في المصاهرة وفي النسب وصية من أين؟ مصدرها الله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ [النساء:12] هنا، حليم رحيم.

    إذاً: فلا يرضى أبداً أن يضيع حق عبد من عبيده؛ بسبب التعصب أو الشعور بأن فلاناً آذاه، أو ما نال منه خيراً طول حياته؛ يحاول أن يخرجه من التركة بأن يوصي بأشياء ليست لازمة، أو يدعي ديوناً ويسجلها ولا يوجد ثمة ديون، فلحلم الله تعالى لا يرضى بهذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088554313

    عدد مرات الحفظ

    777291685