إسلام ويب

تفسير سورة النساء (52)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله سبحانه وتعالى حال المنافقين في المدينة، وما كانوا عليه من الخديعة للمسلمين والغش لهم، فعادوا بعد الإيمان إلى الكفر، ومن الهداية إلى الضلال، ومن كان هذا حاله فلن يكتب الله له الهداية أبداً بما كسبت يداه؛ فهم مع كفرهم وعتوهم يتمنون للمسلمين لو يكفرون مثلهم ويرتدون عن دينهم ليكون حالهم واحداً، حسداً من عند أنفسهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.

    وها نحن مع سورة النساء المدينة المباركة، ومع هذه الآيات الخمس، وقد شرعنا البارحة في دارسة آية منها وما وفيناها حقاً، فهيا بنا إليها أولاً، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا * فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:87-89].

    والآيات سياسة حربية في أعلى الدرجات، ومردها إلى إمام المسلمين، وإلا فما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى الشرك والمشركون من الجزيرة؛ لأن آخر ما نزل هو قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]، وذلك حتى لا يجتمع دينان في الجزيرة، ويبقى خارج الجزيرة فإلى إمام المسلمين، إذ قد يضطر إلى هذه التوجيهات الإلهية ويعمل بها، وسوف نقف عليها إن شاء الله قضية بعد أخرى.

    وجوب توحيد الله في عبادته

    قد علمنا بالأمس أن الله تعالى أخبر عن نفسه فقال: أنه لا إله إلا هو، وتقرر وتأكد وثبت باليقين أنه لا إله حق إلا هو، ولا معبود حق أو معبود يستحق العبادة إلا الله تعالى، فلو بحثت في الشرق أو في الغرب أو في السماء أوفي الأرض عمن يستحق أن يعبد، والله ما وجدت ولن تجد، لماذا يا هذا؟

    والجواب: لأن الذي نحبه بقلوبنا، ونذل له، ونخضع بألسنتنا وجوارحنا له، ذاك الذي وهبنا حياتنا، فخلقنا ورزقنا وحفظنا، وخلق الأشياء في الكون من أجلنا، حتى الجنة والنار، فهذا الذي نعطيه قلوبنا، وهذا الذي بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، فكيف لا نركع له ونسجد؟! ومن عدا الله سواء كان ملائكة في السماء أو ملائكة في الأرض أو أنبياء أو صلحاء أو أياً كان لا يستحق أن يكون إلهاً، وما اتخذ الجهال من آلهة فهي إنما آلهة باطلة.

    وإن شئت أن تضحك: فهذا النصراني الذي يعبد الصليب ويعلقه في عنقه، هو رمز إلى أن عيسى بن مريم قد صلبه اليهود، ووالله ما صلبوه وما قتلوه، ولو كان رباً إلهاً خالقاً مدبراً يقتله أعداؤه؟! أي فهم هذا؟ وأي سقم هذا؟ وأي مرض هذا؟! فالذي يُعبد وتنحني له وتركع وتسجد له يقتله عدوه؟! وهل يصح أن يكون هذا إله؟! إنهم يضحكون عليهم ويسخرون منهم، وأما الأصنام والأحجار والأشجار فهي عبارة عن تماثيل أمام العابدين، وهم يعتقدون أنها تستمد خيراتها وبركاتها من الله، فهم يتقربون بها إلى الله تعالى، ولذلك عبدوها بدل أن يعبدوا الله عز وجل.

    والخلاصة: لو يصلب أحدنا أو يحرق أو يقتل على أن يقول: يوجد إله مع الله، مستحيل أبداً، إذ لا وجود له، فلا إله إلا الله! وهذه شهادة الله التي حفظناها، وما زلنا نتوسل بها إلى الله، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18]، الذين يجوبون العوالم، فقد شهدوا أنه لا إله إلا الله، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، أي: من الرسل والأنبياء إلى أتباعهم من أهل العلم، فالكل شهدوا أنه لا إله إلا الله، فكيف توجد لي إلهاً آخر؟!

    وكما قلنا: هذه الآية بلغوها لإخوانكم، فإذا لم تستطيع أن تستدل على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته بآيات الكون ولا بآيات القرآن، فعلِّمه فقط، فيقول: أنا أشهد بشهادة الله، أي: مادام أن الله قد شهد فأنا أشهد بأنه لا إله إلا الله، والله لكان من أهل الشهادة، وإذا زاد: (والملائكة) أيضاً، فأنا أشهد بما شهد الله وما شهد به الملائكة، وأولوا العلم أيضاً، وبالتالي أصبح يقيناً ثابتاً مستقراً في نفسه، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران:18]، أيضاً شهدوا، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، شهدوا، وَأُوْلُوا الْعِلْمِ [آل عمران:18]، أبدأ بالرسل والأنبياء وبالعلماء التابعين لأنبيائهم والعالمين بكتب ربهم.

    وصاحب هذه الشهادة لا تثبت له ولا تصح ولا تقبل ولا يثاب عليها إلا إذا حققت أمرين ضروريين: الأول: أن تعبد الله الذي شهدت ألا معبود إلا هو، فإن لم تعبده فأين أنت من شهادتك؟ فكيف تعلن أنه لا معبود بحق إلا الله ولا تعبده؟! إذاً أنت متهم بأنك تكذب، إذ لو كنت صادقاً فيما علمت وشهدت لعبدت قبل الناس.

    الثاني: ألا ترضى بعبادة غيره، فإن كنت تجالس من يعبدون غير الله، فتضحك وتأكل وتشرب معهم، وأنت مقتنع بعبادتهم، فإن هذا الموقف يقدح في شهادتك.

    مرة أخرى: الأمران هما: الأول: أن تعبده وحده، وثانياً: ألا ترضى أبداً بعبادة غيره حتى ولو كان العابد أباك أو أمك؛ لأنك تقرر وتعلن أنه لا يستحق العبادة إلا الله، فكيف إذاً ترى من يعبد غيره وترضى بذلك؟!

    والآن بم يعبد الله عز وجل؟ يجب على من شهد أنه لا معبود إلا الله أن يعرف بم يعبد الله؟ وكيف يعبده؟ ولا يصح أن يبقى في قريته أو على رأس جبله، بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم كيف نعبد الله؟ وبم نعبده؟ لأنه إذا لم يعلم كيف يعبد الله وبم يعبد هل يستطيع أن يعبد؟لا والله، ولهذا فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فما هي أنواع العبادات؟ الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، العمرة، الجهاد، الرباط، ذكر الله، تلاوة كتابه، صلة الأرحام، البر، التقوى، وكلها ينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يعرفها ويعرف كيف يؤديها؟ فمثلاً: الصلاة عبادة قطعاً، وهي عمود الدين، فإذا لم يعرف كيف يصلي فهل ينفعه علمه؟ لا والله، يقول: أنا أعرف أن الصلاة عبادة، إذاً كيف تصلي؟ ما علمت بعد، إذاً تعلم: كيف تتطهر؟ وكيف تستقبل بيت الله؟ وكيف تنوي أنك بين يديه؟ وكيف تعلن عن دخولك في العبادة؟

    الإيمان بالبعث والجزاء

    إذاً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [النساء:87]، هذا المبتدأ، وعزتي وجلالي يقول: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [النساء:87]، فهل (إلى) صلة بمعنى زائدة، ويصبح الكلام: ليجمعنكم يوم القيامة؟ وهو والله لحق، ليجمعنا يوم القيامة، ويصح أن تبقى (إلى) على معناها، أي: ليجمعنكم في الأرض في قبوركم، ثم يوم القيامة يخرجكم من قبوركم، وها نحن الآن نتجمع في الأرض، أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا [المرسلات:25-26]، فالأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها، فإذا ما تبنوها تدخله في بطنها، والآخرون كالقمل يمشون على ظهرها، فإذا مات أحدهم تستل وتدخله في بطنها، فهل هناك من يخرج عن الأرض؟ لا، وإنما نتجمع، وهذا التجمع ليوم القيامة حيث يوم الجزاء والحساب الدقيق، ثم إما النعيم المقيم أو العذاب الأليم.

    لا رَيْبَ فِيهِ [النساء:87]، أي: ليوم لا ريب في وقوعه، ولا شك أبداً في أن يوم القيامة آت لا محالة، وقيل: في يوم القيامة لأننا نقوم من مضاجعنا تحت الأرض، فهل يبقى إنسان لا يقوم فتجحده الأرض أو هناك من يغطي عنه؟ والله لا يتخلفن إنسي ولا جني، وإنما الكل يقوم، فهذا هو يوم القيامة الذي لا ريب فيه أبداً، وكيف نعلم أنه لا ريب فيه؟ قد نفى الخالق أن يكون في هذا اليوم شك في قلب إنسان، ومن أصدق من الله قولاً وحديثاً ووعداً؟ ولذا فما علينا إلا أن نقول: آمنا بالله، وقد حلف الله جل جلاله على أنه سيجمعنا تحت الأرض وذلك ليوم القيامة، وسيجمعنا يوم القيامة ويحشرنا في ساحة واحدة، أبيضنا وأصفرنا، ويجري الحساب في فترة من الزمن مقدارها خمسون ألف سنة من أيامكم هذه.

    ثم تستقر الحياة على ما هي عليه، فأهل الكمال والطهر والصفاء، وأهل التوحيد وعبادة الرب في الملكوت الأعلى، وأهل الكفر والشرك والفسق والفجور في أسفل سافلين من الكون، وما بقيت سماء ولا أرض، وإنما عالمان: علوي وسفلي، فالعلوي فوق هذه السموات السبع، إذ إن هذه السموات السبع تتبخر وتصبح وردة كالدهان، أي: حمراء تسيل، وكل الذي فيها يذوب ذوباناً، فأين السموات؟ انتهت، وعالم دار السلام فوق ذلك، والعالم السفلي ما هو تحت هذه الأرض، ولا هذه الأرضين السبع، وإنما هو عالم آخر، فهل هناك من هو أصدق حديثاً من الله تعالى؟ ها هو تعالى يحلف أنها سيجمعنا ليوم القيامة، فهل يبقى في نفوسنا شك؟ وهل جربنا على الله كذباً أو خلف وعد وعدنا؟ مستحيل أبداً، فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].

    إذاً: الإيمان بالله والإيمان بالبعث الآخر هما العقيدة التي إن فقدها الإنسان تمزق وتلاشى، بل وصار شر الخلق، إذ إن الإيمان بالله يعني الإيمان بأن الله موجود حي قيوم ذو جلال وإكرام، ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وبيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، وهو الخالق، وهو الرازق، وهو المدبر، وهو الله الذي لا إله إلا هو، والثاني الإيمان بالبعث الآخر والحياة الثانية، وما يتم فيها لعباد الله تعالى.

    فالعقيدة مبناها على هذين المعتقدين، فإذا حصل أدنى ريب أو زلزال أو ضعف في الإيمان بالله أو في البعث الآخر هبط الآدمي، ولا يستطيع أن يستقيم ولو يوماً واحداً، بل لا بد وأن يكذب ويفجر، وذلك إذا لم ترسخ هذه العقيدة في قلب الآدمي، ذكراً كان أو أنثى، وهو أنه لا إله إلا الله، وأن البعث والدار الآخرة حق، فإذا لم تكن هذه في نفسه ما يستطيع أن يستقيم، بل لا بد وأن يعوج، ولا بد أن يكذب ويسرق ويفجر، وممكن أن يقتل أمه، ومن هنا جاءت الآيات القرآنية مثل قوله: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، وقوله تعالى: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، حتى النساء الحيض التي تؤمن بالله واليوم الآخر ما تجحد الحيض وتكذب وتقول: أنا طاهرة، وهذه أدنى مسألة، وكذلك إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يكتمن ما في أرحامهن.

    إذاً: علموا البشرية أنها لا تستقيم على منهج الحق إلا إذا آمنت بالله حق الإيمان، وآمنت بالبعث الآخر والجزاء والحساب، وبدون هاتين القاعدتين من قواعد الإسلام وأركانه لا يمكن للعبد أن يستقيم، لكن قد يستقيم عاماً أو عامين ثم يهبط ويعوج وينحرف، وكل انحراف واعوجاج في الإنسان مرده إلى الكفر بالله واليوم الآخر، أو إلى ضعف إيمانه بالله واليوم الآخر، ولا تتردد في هذا.

    وهذا ما أفادنا من قول ربنا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وهذا كالتعليل والتشجيع لأن نعمل الحسنات ونتجنب السيئات، إلى أن نشفع فيما هو حبٌ لله ورضاه، ولا نشفع فيما هو غضب لله وسخطه، ولنعيش على السلام والطهر والصفاء، وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، لم؟ لأن الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة.

    والآن مع هذه الآيات نأخذ في بيانها، فأولاً: أعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وستسمعون ما كان يجري في هذه الديار، والذي استقر: أننا لا نقول: هذه الآيات منسوخة، وذلك أحسن وإن قال من قال، وإنما نقول: هذه الآيات عمِل بها في وقتها، ثم قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم نسخ الله كل أمر يوقف القتال في هذه الجزيرة، أي: كل أمر يقر الشرك وبقاؤه في هذه الديار، وذلك بقوله: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5]، لماذا؟ فالرسول قريب سيرحل إلى الملكوت الأعلى، وهذه هي قبة الإسلام وبقعة النور ومصدر الحياة، فلا ينبغي أن يوجد فيها شرك ولا كفر أبداً.

    وقد أوصى الرسول ونفذ عمر: ( لا يجتمع دينان في الجزيرة )، أي: في هذه الجزيرة، إذ لا يحل أن توجد كنيسة ولا بيع ولا معبد للمجوس أبداً، إذ إن هذه قبة الإسلام وبيضته، وأعيد إلى أذهان بعض السامعين أن مسيو الفرنسي كتب في الجريدة يقول: لمَ نمنع السعودية من إقامة ديننا ونحن نسمح ببناء المساجد في ديارنا؟! فكتبت كلمة رددت فيها عليه وترجمت، وقد قلت له: يا مسيو! المملكة هي عبارة عن قبة الإسلام، فهل منعناكم من وجود كنيسة في سوريا أو في العراق أو في مصر أو في المغرب أو في أي مكان؟ لا أبداً، لكن الجزيرة قد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجتمع فيها دينان، وإن أردت أن تعلم فأقول لك: أرأيت لو نبني مسجداً في كنيستكم الكبرى، هل تسمحون بذلك؟ مستحيل، إذ كيف يصح أن نبني مسجداً في وسط كنيسة؟! إن هذا ظلم، إذاً: هل يجوز أن تبني كنيسة في داخل المسجد؟ فالمملكة عبارة عن مسجد، فلا يصح أن تبنى فيها كنيسة، ثم بكى وقال: إخواننا يعملون في ليلة من الليالي ما يسمونه قدوس أو قداس، فتأتيهم رجالات الأمر بالمعروف فيطاردونهم ويخرجونهم ويسفرونهم، فلماذا؟ فقلنا له: يا مسيو! لا تعجب، فإن أهل الخرافة بيننا والضلالة وأهل الجهل لما يقيمون مولداً من هذه الموالد تطاردهم الهيئة وتبعدهم، وهذا ليس خاصاً بكم فقط، فسكت.

    والشاهد عندنا: أنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، أما وراء الجزيرة فهناك كنائس موجودة، وما قمنا بهدمها ولا أمرنا بهدمها، ولذا أردت أن أقول: إن هذه الآيات العظيمة لا نقول بنسخها؛ لأن إمام المسلمين في أي وقت قد يحتاج إليها سياسياً وحربياً، أما أن نقول بالنسخ فلا؛ لأن الجزيرة قد نسخ الله فيها الشرك وأبطله، ويبقى خارج الجزيرة، فإمام المسلمين ينتفعون بهذه الآيات، وإليكم بيان ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088553441

    عدد مرات الحفظ

    777288696