إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما كان عام العسرة وكان الناس في ضيق وشدة، بلغ أسماع المسلمين خروج الروم لاجتثاث دولة الإسلام الوليدة، عندها أعلن النبي صلى الله عليه وسلم النفير العام، والتعبئة الشاملة، ولم يأذن لأحد ممن يستطيع القتال أن يتخلف عن هذه الغزاة، وبسبب ما صاحب هذه الغزوة من حر شديد وحاجة عند كثير من المسلمين تثاقل عن الخروج من تثاقل، فأنزل الله عز وجل توبيخه لهم وتهديدهم بالعذاب الشديد والإتيان بأقوام آخرين بدلاً منهم يقاتلون في سبيل الله، وينصرون رسوله صلى الله عليه وسلم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة التوبة المدنية، والله تعالى نسأل أن يتوب علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة. وهانحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتها، ثم بعد ذلك نتدارسها، والله نسأل أن يعلمنا وأن ينفعنا بما يعلمنا.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:38-40].

    خصوصية مناداة الله عز وجل للمؤمنين بـ(يا أيها الذين آمنوا)

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [التوبة:38] نعيد إلى أذهانكم تقريراً لما علمنا أن نداء الله تعالى للمؤمنين دال على أن المؤمنين أحياء يسمعون النداء ويجيبون، فغير المؤمنين يعتبرون أمواتاً.

    وعلمنا أن الله لا ينادينا إلا ليأمرنا بما فيه خيرنا وسعادتنا، أو لينهانا عما فيه شقاؤنا وخسراننا؛ لأنه ولينا، أو ينادينا ليعلمنا ما نحن في حاجة إليه، أو ليبشرنا بما يزيد في أعمالنا الصالحة أو يحذرنا وينذرنا حتى نكف عن الأعمال السيئة الباطلة، فحاشاه أن ينادينا لا لشيء -تعالى الله عن اللهو واللعب-.

    وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا إمام المسلمين إلى ذلك

    هاهو الله عز وجل ينادينا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:38] هذا لوم وعتاب.

    إذاً: اذكروا أن غزوة تبوك كانت في السنة التاسعة في شهر شوال من الهجرة النبوية، وسببها: أن الروم تجمعوا وعزموا على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنهاء الإسلام، وجمعوا جموعهم وهيئوا جيوشهم وعزموا على أن يغزوا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي الإلهي، فما كان منه إلا أن أعلن التعبئة العامة -النفير العام-، لا يتخلف عن غزوة تبوك أو غزو الروم: إلا امرأة أو من كان مريضاً أو ممرضاً، أو من لم يجد ما يركب عليه ويتزود به.

    فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة:38]؛ لأن السنة التاسعة كانت سنة جدب وقحط، وكانت سنة احتياج وفقر، فتثاقل من تثاقل.

    ومعنى (تثاقل) تباطأ عن الخروج كالذي يحمل حملاً ثقيلاً لا يقوى على حمله والمشي به، وهذا موجه إلى من حدث منهم هذا، ولكن من باب الستر على العموم يكون اللفظ عاماً، والله أعلم بمن لم يتثاقلوا.

    مَا لَكُمْ [التوبة:38] أي: ما الذي يمنعكم ويجعلكم تتثاقلون، وهذا الاستفهام للعتاب والتقريع.

    اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة:38] لتسكنوا إليها وتبقوا فيها، وإلى شهواتها وما فيها من متع ولذائذ.

    بيان حقارة الدنيا وضآلتها أمام الآخرة

    قال تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ [التوبة:38] أي: هل استبدلتم بالآخرة الحياة الدنيا، فرضيتم بالبقاء للأكل والشرب؟

    ثم قال تعالى: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] فنسبة هذه القلة كالذي يغمس أصبعه في البحر ثم يخرجها، ويزن كمية البلل فتأتي ذلك مثل الآخرة والدنيا، قلة لا حد لها.

    قال العلماء: وهذا حديث صحيح بمعناه: ( مثل الآخرة إلى الدنيا كالذي يغمس أصبعه في البحر ثم يخرجه ) كم كمية الماء عقلت بإصبعه بالنسبة إلى ماء البحر؟!

    فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] والمتاع ما يتمتع به من الأكل والشرب والنكاح واللباس وما إلى ذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088533029

    عدد مرات الحفظ

    777173372