معنى قوله تعالى: (إلا تنصروه فقد نصره الله)
شرف أبي بكر الصديق وبيان فضله
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
ثم قال تعالى:
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا 
[التوبة:40]، كلمة الله هي دينه وشرعه وهي العليا.
ومن اللطائف التي يفتح الله بها على عباده، فقد تتبعت التفسير فلم أجد هذه اللطيفة، وهي: لم نسمع قط كلمة الكفر في المآذن بأعلى الأصوات، ونسمع كلمة (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله) تدوي في السماء، فلا توجد كلمة ارتفعت هذا الارتفاع، والله! ما كان لا في العرب ولا في العجم، فسبحان الله العظيم!
الآن في البلاد الإسلامية حتى في البلاد الكافرة نسمع النداء: (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله)، كلمته عز وجل هي العليا، ما يقولوا: أشهد أن المسيح ولا عبد القادر ولا فلان، ما في إلا كلمة الله، وصدق الله العظيم.
وكلمة الله هي الشهادتان، كلمة الله الأزلية.. كلمة العلم وتقديره كل ذلك صالح لكلام الله، لكن هنا قلنا: الشهادتان، وهم قالوا: الآلهة متعددة وقالوا: محمد ما هو بنبي ولا رسول، ساحر وكاذب، هذه كلماتهم سفلت، وعلت فوقها كلمة الحق: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ..
[التوبة:40] هذا استئناف، وإن قرئ: (وكلمةَ الله) بالنصب لكان قراءة شاذة،
وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
[التوبة:40] (العليا) تأنيث الأعلى، فلما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في جبل أحد في المساء بعد نهاية المعركة وهزيمة المؤمنين؛ لمعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف ينتصر المسلمون وهم عصاة لرسول الله بالجملة؟ كيف نطمع أن نطرد اليهود من فلسطين؟ فهذه معصية واحدة، ولنا معاصي لا حد لها، فلهذا احمدوا الله أن آمنكم تعبدوا ربكم.
لما كان على الجبل جاء أبو سفيان على فرسه: اعل هبل، اعل هبل. أي: أراد أن تكون كلمته هي العليا: اعل هبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أجيبوه وأبو بكر وعمر وعثمان من حوله، فقالوا: ماذا نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل ) فأسكتوه.
جاء يفتخر: اعل هبل. هبل هذا إلههم المعبود عندهم، يعني: انتصرنا، اعل هبل. وتمت كلمة ربك العليا، وكلمة المشركين انتهت وانمحت، وما سفلت فقط.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ
[التوبة:40] أي: غالب لا يغالب
حَكِيمٌ
[التوبة:40] أي: يضع كل شيء في موضعه، فينصر من هو أهل للنصر ويهزم من هو أهل للهزيمة، فلما كان رسول الله والمؤمنون على الحق نصرهم وأيدهم، وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
شرح الآيات في الكتاب.
معنى الآيات
هداية الآيات
إذ كل آية فيها هداية، فكل آية تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بين لنا ذلك يا هذا؟
الجواب: هذه الآية مثلاً:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ
[التوبة:40] قالها وأنزلها وتكلم بها الله عز وجل، إذاً الله موجود، ونزلت هذه الآية على محمد بن عبد الله، إذاً هل هو غير رسول وينزل عليه القرآن؟ والله ما كان إلا رسولاً، فكل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: [من هداية الآيات:
أولاً: وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا الإمام بالدعوة العامة وهو ما يعرف -الآن- بالتعبئة العامة أو النفير العام.
ثانياً: يجب أن يكون النفير في سبيل الله لا في سبيلٍ غير سبيله تعالى ] لا في الطين والتراب والحكم والسلطان، ولكن من أجل أن يعبد الله عز وجل وينصر أولياءه.
[ ثالثاً: بيان حقارة الدنيا وضآلتها أمام الآخرة ] ألم يقل تعالى:
إِلَّا قَلِيلٌ
[التوبة:38]؟
[ رابعاً: وجوب نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دينه، في أمته، في سنته ] الآن يجب أن ننصر رسول الله، في أمته حتى لا تنهزم وتنكسر أو تضل وتتحطم، وفي سنته ألا تترك وتهمل، كل واحد واجب عليه أن ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ خامساً: شرف أبي بكر الصديق وبيان فضله ].
أنبه إلى أن الروافض يأخذون من هذه الحادثة بالذات يعكسونها عكساً عجباً، فيجعلون أبا بكر من أخس الناس حتى تفهموا هذا في تفاسيرهم وفي كتبهم، يحرفونها ويؤولونها بأعجب العجب، والخوارج في علي لما جعله الرسول في فراشه وقال: اجلس بدلي، يتخذون منها كذلك ما كفروا به من ذمه واحتقاره، فقد نبهت إلى هذا، وهو موجود في تفسير المنار بالتفصيل.
[ سادساً: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ] فإلى الآن هل علت المسيحية؟ فأصحابها مجرمون كفرة فجار، يأكلون أموال الناس بالباطل.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.