إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (14)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله عز وجل عباده المؤمنين الصادقين بالخروج للجهاد في سبيله على أي حال من القوة أو الضعف، ثم بين لنبيه صلى الله عليه وسلم حال المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معه، وأنه لو كان الخروج إلى مكان قريب أو مغنم وفير لخرجوا لا لله وإنما طلباً للدنيا، أما حين يكون الخروج للقاء عدو غير معروف في مكان بعيد فإنهم ينتحلون الأعذار للتخلف وعدم الخروج، ويحلفون للنبي ليصدقهم، وهم بهذا إنما يهلكون أنفسهم وهم لا يشعرون.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن ما زلنا مع سورة التوبة المدنية -تاب الله علينا، وعلى كل مؤمن ومؤمنة-، فمع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ثم بعد ذلك نأخذ في تدارسها وشرح معانيها، والله المستعان وعليه التكلان.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:41-43].

    معنى قوله تعالى: (انفروا خفافاً وثقالاً)

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [التوبة:41].. الآية. نعيد إلى أذهانكم أن هذه الآيات نزلت في أحداث غزوة تبوك، وقد تقدم الأمر بالنفير العام، والتعبئة العامة في الآيات السابقة، وهاهو الله تعالى يقول للمؤمنين: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [التوبة:41]، أي: اخرجوا من المدينة حاملين أسلحتكم؛ لقتال الروم الذين عزموا على قتالكم.

    قال تعالى: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [التوبة:41]، الخفيف: هو الذي لا يتحمل مسئوليات ولا تبعات، والثقيل هو الذي له زوجات وأولاد وزراعة وأعمال، فالأمر عام لكل المؤمنين سواء منهم الخفيف أو الثقيل، الواجد المال وغير الواجد له، الواجد للطعام وغير الواجد له، أي: انفروا حال كونكم خفافاً وثقالاً.

    الجهاد كما يكون بالنفس يكون بالمال

    قال تعالى: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41]، الجهاد هنا -كما علمنا- أي: قتال الروم، والخروج إلى ديارهم بالشام؛ لقتالهم، والجهاد بذل الجهد والطاقة وما عند العبد من سعة بالمال أولاً والنفس ثانياً، ولكن الغاية والهدف من الجهاد هو أن يكون في سبيل الله، أي: من أجل أن يعبد الله عز وجل وحده في الأرض، فلا شرك ولا كفر، ويتبع ذلك ما ينتشر من العدل والرحمة والآداب والأخلاق بين الناس، فسبيل الله الطريق الموصل إلى رضاه، وإذا وصلت إلى رضا الله كنت في الجنة دار السلام.

    فهذا أمر الله عز وجل بالتعبئة العامة، إذ قال تعالى: انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [التوبة:41] أي: لا أن تخرجوا ثم تتخلون عن الجهاد وتفرون.

    قال تعالى: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ [التوبة:41] أي: ذلكم الذي علمتم، خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41] أي: جهادكم العام بأموالكم وأنفسكم خير لكم في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا تنتصرون وتسودون وتحكمون، وتطيبون وتطهرون، وفي الآخرة تنزلون منازل الأبرار والشهداء، وهذا خير لكم إن كنتم تعلمون ذلك، فأمر الله عز وجل المؤمنين وحثهم ورغبهم على الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

    ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [التوبة:41]، أي: خيرٌ لكم في الدنيا والآخرة، وخير لكم من ترك الجهاد، فإذا تركتموه ما عُبد الله ولا انتشرت دعوته، ولا أمكنكم حتى أن تعبدوا الله إذا تسلط الكفار عليكم وحكموا وسادوا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088550086

    عدد مرات الحفظ

    777273117