إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (16)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وجود المنافقين في صفوف المؤمنين خطر عليهم، وضرر كبير لهم، لذا فينبغي عدم إشراكهم في أمر، ولا يعول عليهم في مهمة، وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا حيث ذكر شأن المنافقين في غزوة تبوك، وأن عدم خروجهم في الجيش إنما هو في صالح الجيش الإسلامي، حتى إن من خرج منهم تآمروا على الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، ففضح الله أمرهم وكشف سترهم، وظهر أمر الله وهم كارهون.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله على إفضاله وإنعامه، والحمد لله على توفيقه وهدايته.

    وها نحن مع سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة- ومع هاتين الآيتين، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتهما مرتلة مجودة، ثم نتدارسهما إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:47-48].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [التوبة:47]، هذه الآيات نزلت أيضاً في أحداث غزوة تبوك، وهي في الحقيقة غزوة الروم، إذ عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يخرج لقتال الروم، والروم يبتدئون من تبوك إلى ما وراء البحر الأبيض، فلما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم التعبئة العامة والنفير العام جاء نحو من ستة وثلاثين منافقاً يطلبون من رسول الله الإذن لهم بالتخلف عن القتال والخروج معه صلى الله عليه وسلم؛ كراهية في نفوسهم من أن ينتصر محمد صلى الله عليه وسلم ودينه، وليس لديهم طيب نفس بقتال الروم أعداء النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنهم منافقون كافرون.

    فأذن لهم وعاتبه ربه: لم تأذن لهم؟ فإنهم لو لم يؤذن لهم لن يخرجوا، ولو أذن لهم لن يخرجوا كذلك، وقد اجتهد صلى الله عليه وسلم وما وفق، وليس هذا بعيب ولا نقص، أمور دنيوية سياسية، اجتهد ورأى أنه لو يأذن لهم بالبقاء خير من أن يخرجوا معه وهو كذلك، فلو خرجوا لفعلوا الأعاجيب، ولكن المفروض أن لا يأذن لهم حتى تنفضح سوأتهم؛ لأنهم لو ما أذن لهم لن يخرجوا، فقد عزموا على ألا يخرجوا؛ مخافة الحرب والمجاعة والشدة كما يظنون هم.

    إذاً: مضى من السياق الكثير، وها نحن مع قول ربنا جل وعلا: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ [التوبة:47]، والآن ذكر الله عز وجل المؤمنين مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ [التوبة:47] أي: بينكم أيها المؤمنين وفي صفوفكم، لكن لو خرجوا معكم لخرجوا مندسين بينكم.

    خطر وجود المنافقين في صفوف المسلمين

    قال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا [التوبة:47] والخبال: الفساد. فلو خرج هؤلاء المنافقين الستة والثلاثون سيحدثون فتناً في أوساط المؤمنين، فسيقولون مثلاً: لماذا تقاتلون؟ وكيف نترك أموالنا تضيع؟ وكيف نقاتل مع هذا الذي يدعي أنه كذا؟!

    وسيحدثون بلبلة وخبالاً في الناس، وخاصة العوام والذين هم ضعاف الإيمان، والله! لكما قال الله

    وتعرفون ما يسمونه الآن بالطابور الخامس.

    وقال تعالى: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ [التوبة:47]، أي: مشوا بينكم مسرعين يحدثون الفتنة والمشاغب والمتاعب، فمعنى الإيضاع: المشي بسرعة.

    وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة:47] أي: يطلبون لكم الفتنة بالخلاف والفرقة والعداء، وترك الجهاد، فالذين خرجوا ليسوا كلهم أبا بكر الصديق أو عمر ، فقد كان عددهم اثنا عشر ألفاً، وفيهم من سيتأثر بأقوال هؤلاء المنافقين التي في ظاهرها النصيحة وكذا، وفي باطنها كره للرسول صلى الله عليه وسلم، وكره للإسلام والمسلمين.

    يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47] السمَّاع: الذي ينقل الخبر، أي: سماعون يسمعون ما تقولون، وينقلونه إلى أعدائكم، فمنذ مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والمنافقون -هكذا- ينقلون الأخبار إلى المشركين وإلى اليهود؛ إرادةً للفتنة، وإفساداً للإسلام وأهله.

    وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47]، وقد يجوز القول: وفي المؤمنين من يسمع ويستجيب لهم؛ لحسن كلامهم ولباقة لسانهم فيتأثر المؤمنون، وهو كذلك فالآية تدل على المعنيين.

    جزاء الله للظالمين على ظلمهم

    قال تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47]، سوف يجزي الله عز وجل المنافقين ما دام أنه عليماً بهم، وسوف ينالهم من عدله وحكمته ما ينالهم من الكرب، والهم والحزن، والعذاب في الدار الآخرة.

    والمراد (بالظالمين):

    أولاً: القاعدة العامة وهي: (الظلم معناه: وضع الشيء في غير موضعه). فمثلاً: لو أن طالباً -الآن- ينام في الدرس يكون قد ظلم، فليس المكان مكاناً للنوم، أو لو أن أحدهم -مثلاً- توسد ذراعه ونام في الشارع يكون أيضاً قد ظلم، فالشارع أيضاً ليس مكاناً للنوم، بل لمرور الناس، فوضع الشيء في غير موضعه هو الظلم.

    إذاً: فالله عز وجل أمرنا أن نعبده وحده ولا نعبد معه سواه، فإذا عبدنا معه غيره نكون قد وضعنا العبادة في غير موضعها، وصرنا ظالمين.

    ولهذا أضيف إلى -ما علمتم-: أن أفظع وأقبح أنواع الظلم: عبادة غير الله عز وجل مع عبادة الله، ألا وهو الشرك، والله عز وجل يقول على لسان لقمان الحكيم : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

    ووجه ذلك: أخلقك وأرزقك وأحفظك وأكلؤك، وأخلق الحياة كلها من أجلك وتعرض عني، وتلتفت إلى غيري تركع وتسجد؟! فأي بشاعة أعظم من هذه؟! فحقاً والله! إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، يخلقك ويرزقك ويسمع منك ويعطيك ويراك ويعلم حالك، وتقبل على حجر أو ميت لا يسمع بك ولا يراك ولا يعطيك ولا ينفعك، وتعبده بالإذعان والانطراح بين يديه، فأي قبح أعظم من هذا؟!

    فقوله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47] تسجيل للمنافقين بأنهم مشركون كافرون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088513091

    عدد مرات الحفظ

    777051299