إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (19)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المنافقون هم أناس جبلوا على الكذب والخيانة، وحرموا نعمة التوكل على الله سبحانه والرضا بقضائه، قلوبهم كقلوب الطير تكاد تخرج من صدورهم إذا ألمت ملمة أو حدث حادث أو خطب، أو واجهوا عدواً في ساحة قتال، فإذا جاء الأمن سلقوا المؤمنين بألسنتهم وطعنوا في دين الله، ولمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أوتوا نصيباً من الدنيا رضوا، وإن لم يعطوا اعترضوا وسخطوا وبدءوا بنشر ما يعتمل في صدورهم من حقد على دين الله ورسوله والمؤمنين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن ما زلنا مع سورة التوبة المدنية -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة-، ومع هذه الآيات المباركات، سوف نسمعها مرتلة مجودة أولاً، ثم نأخذ في تدارسها بيننا إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:56-59].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا [التوبة:53] أذكركم أو أذكر الناسين وأُعلم غير العالمين أن السياق ما زال في المنافقين، وهم تلك الجماعات التي لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً، وكانت لهم أموالاً، وكان لهم شرف وكان لهم عزاً، فشاهدوا الإسلام يسوي بين الناس، ولا يفرق بين الغني والفقير، ولا الشريف والوضيع

    وشاهدوا أنوار الله تعلو وتغمر البلاد فما استطاعوا أن يصروا على الكفر علناً، فجحدوا كفرهم في قلوبهم، وأظهروا الإيمان بألسنتهم وسلوكهم، وما هم بمصدقين لا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلقاء الله والبعث الآخر، ولا بكتاب الله وما ينزله من آيات القرآن الكريم، فكانوا ينافقون المؤمنين، أي: يظهرون لهم أنهم مؤمنون، وأنهم معهم، ولكن في الباطن والسر هم ضدهم مائة في المائة، بل كانوا يتعاونون مع المتآمرين ومع المحاربين خارج المدينة، فلنصغي إلى هذه الآيات فإنها في شأنهم.

    قال تعالى: قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا [التوبة:53] أي: قل لهم يا رسولنا صلى الله عليه وسلم: أنفقوا؛ لأن التعبئة عامة، والجهاد معلن عنه، والطريق هي تبوك، ولا بد من المال.

    إذاً: فأمرهم الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: أنفقوا طوعاً أو كرهاً، وأنتم طائعين أو أنتم كارهين؛ إذ قل من ينفق طوعاً ولكنهم ينفقون دفعاً للمضرة عن مالهم وأنفسهم؛ لأنهم ينافقون لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ [التوبة:53] أي: أعلمهم بأن ما ينفقونه في سبيل الله أو في سبيل الفقراء والمساكين، أو في سبيل ما يجمعه الرسول من مال للحاجة إليه، هذا المال سواء أنفقوه وهم طائعون أو وهم كارهون لن يتقبل منهم؛ لأنهم ما أرادوا وجه الله، والله لا يتقبل مالاً لا ينفق له، وما داموا ما أنفقوا لله كيف يثيبهم الله؟

    وشيء آخر: ما بعد الكفر ذنب، فكيف يتقبل منهم وهم كفار جاحدون لله وألوهيته، وجاحدون لكتابه وآياته، وجاحدون لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبوته ورسالته، وجاحدون بالبعث الآخر والدار الآخرة؟!

    تنزه الله عز وجل أن يخاطبهم هو بنفسه، وإنما قال: قُلْ [التوبة:53] أي: قل لهم يا رسولنا، أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ [التوبة:53] والعلة: إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ [التوبة:53]، وهذه الآيات تقدم شرحها في الدرس الماضي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522419

    عدد مرات الحفظ

    777110792