إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (29)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المنافقون لا تستسيغ نفوسهم فعل الخير والحض عليه، فهم يبخلون بما آتاهم الله من فضله، ولا يكتفون بذلك وإنما يؤذون المنفقين من المؤمنين، ويلمزون المطوعين منهم بالمال الكثير، متهمين لهم بالرياء، والذين لا يجدون إلا القليل مما ينفقون يسخرون من قل نفقتهم، وما ذاك إلا لعلة فيهم ولمرض في نفوسهم، فهم متوعدون يوم القيامة بالعذاب الأليم، ولن يقبل الله فيهم شفاعة ولن يغفر لهم ذنباً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات في أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    والحمد لله على ما هدانا إليه ووفقنا عليه.

    وها نحن معاشر المستمعين والمستمعات! مع هاتين الآيتين من سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة-، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله تعالى.

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:79-80].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زلنا مع سورة التوبة -تاب الله علينا وعليكم-، وما زال السياق مع المنافقين، وقد علمنا أن المنافقين في المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من خوفهم يجحدون الكفر جحوداً كاملاً في نفوسهم، ويعلنون عن إسلامهم بألسنتهم وبعض جوارحهم، ولم يأذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقتلهم، بل شاء الله ألا ينزل فيهم قرآناً يسميهم بأسمائه، فهم مستترون مختفون، لكن سرعان ما يظهر ما في نفوسهم من الغش والكفر والنفاق، وقد تقدمت آيات كثيرة في هذا الموضوع.

    معنى قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين ...)

    ونحن الآن مع قول ربنا تعالى عن المنافقين: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:79]، اللمز: الطعن والسخرية، لمزه: طعنه بكلمة سوء، قال فيه كلمة عيب من العيوب.

    فعندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن جمع المال لغزوة تبوك، -ومن الصحابة من تطوع بنصف ماله كـعمر رضي الله تعالى عنه، ومنهم من قدم أموالاً كثيرة، حتى الحمالين الضعفاء تطوعوا بأجرة حمل أمتعة الناس وقدموها للرسول صلى الله عليه وسلم- ظهر موقف هؤلاء مرضى القلوب وهم المنافقين، فإن كان المتطوع غنياً وتقدم بمال واسع وكثير، قالوا: هذا يرائي لأجل السمعة والشهرة، وإن كان فقيراً وقدم جهده، قالوا له: أنت أحوج إلى هذا الثمن، وهكذا يلمزون المطوعين.

    والمطوعين بمعنى: المتطوعين الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله بدون إلزام ولا إيجاب عليهم.

    والتطوع: ما كان دون الفريضة، فمن أدى الزكاة وأقام الصلاة لا يعتبر تطوعاً، وإذا تصدق بالمال بعد أداء الزكاة كان تطوعاً، وإذا صلى النافلة بعد الفريضة كان تطوعاً أيضاً.

    حرمة أذية المؤمن والسخرية منه

    هؤلاء المنافقون المرضى في المجتمع.. والآيات تنزل وهم يقلون أيضاً يوماً بعد يوم، إذ هذه الآيات كشفت الستار عنهم، وأظهرتهم على واقعهم، وإن لم تسمهم بأسمائهم، فإنها كانت سبيل نجاتهم، فكم وكم من تاب منهم.

    فقوله تعالى في الإخبار عنهم: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:79]، يلمزونهم فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:79]، فإن تصدق الغني، قالوا: يرائي ويحب الشهرة والسمعة، وإن تصدق الفقير، قالوا: ما هذا الفهم والذوق! أسرته جائعة وهو يتصدق؟!

    إذاً: لا يسلم منهم المؤمن الصادق، وهذا المرض موجود إلى يوم الساعة وإن لم يكن أهله منافقون، أي: كافرين، لكن اللمز والطعن والسخرية، أهلها يوجدون في كل زمان ومكان -ونعوذ بالله تعالى أن نكون مثلهم-، فلا نلمز مؤمناً ولا نطعن فيه، سواء أعطى الكثير أو القليل، أو منع وما أعطى، فلا نقول فيه: شحيح أو بخيل؛ إذ أذية المؤمن حرام، فالكلمة التي تؤذي ولي الله وعبده المؤمن محرمة على المسلمين، ولا يقولها إلا فاسق متوغل في الفسق، أو كافر ضليع في الكفر.

    غيرة الله على أوليائه المؤمنين ودفاعه عنهم

    قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ [التوبة:79]، فقد كان الحمالون الذين يحملون البضائع يأخذون الأجرة ويدفعونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد.

    وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ جُهْدَهُمْ [التوبة:79]، أي: من يتصدق بما يستطيع وتصدق به، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [التوبة:79] ويستهزئون.

    ثم قال تعالى: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79]، ومن سخر الله منه كيف ينجو، وكيف يسعد، وكيف يكمل؟! فإذا سخر الله من العبد انتهى شأنه، فتوعد الله المنافقين بقوله: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79]، والعذاب الأليم هو الموجع الشديد الإيجاع وهو عذاب النار، عذاب الدار الآخرة والعياذ بالله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531431

    عدد مرات الحفظ

    777165350