معاشر المستمعين والمستمعات! إليكم بيان هداية هذه الآيات وتأملوا:
[ أولاً: حرمة لمز المؤمن والطعن فيه ]، اللمز للمؤمن والطعن فيه مما حرم الله ورسوله، فلا يحل لك يا عبد الله! أن تطعن في مؤمن أو تلمزه أو تقول فيه كلمة سوء؛ لأنه ولي الله، ومن آذى أولياء الله أعلن الله الحرب عليه، إذ قال تعالى في حديث قدسي شريف: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، ومن أعلن الله عليه الحرب فلن ينتصر، ولو كانت معه الجن والشياطين.
إذاً: دلت هذه الآية الكريمة على حرمة لمز المؤمن والطعن فيه بالكلمة فقط، وليس الطعن بالسيف أو الرمح، ولكن طعنه بكلمة سوء، سواء عيره أو قبح سلوكه، فلا يحل لأحدنا أبداً طول الحياة أن يطعن في مؤمن أو يلمزه.
[ ثانياً: حرمة السخرية بالمؤمن ]، والسخرية كالاستهزاء محرمة أيضاً على المؤمن أو المؤمنة، مهما كان المؤمن فقيراً أو غنياً صالحاً أو فاسداً، إذ قال تعالى:
فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ
[التوبة:79].
[ ثالثاً: غيرة الله على أوليائه، حيث سخر الله ممن سخر من المطوعين ].
(غيرة الله -الله يغار لأوليائه وعبيده- على أوليائه حيث سخر الله ممن سخر من المطوعين)، إذ قال تعالى:
سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ
[التوبة:79]، وسخر الله منهم؛ لأنهم آذوا أوليائه وآذوا عباده المؤمنين، فسخروا منهم.
إذاً: فكافأهم الله وجازاهم على سخريتهم بأن سخر منهم، فأنت سخريتك ما لها أثر كبير، لكن الله إذا سخر من عبد مسخه ولن يبقى له قيمة في الوجود.
[ رابعاً: من مات على الكفر لا ينفعه الاستغفار له ]، فلهذا لا يصلى عليه صلاة الجنازة، ولا يستغفر له في المقبرة؛ لأنه ميئوس من رحمة الله له، وذلك لعلم الله، وإعلام عباده بأنه لن يغفر لهم.
[ بل ولا يجوز الاستغفار له ]، وحسبنا ويكفينا قول ربنا عز وجل:
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ
[التوبة:114]، وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من أمه آمنة وهو في طريقه إلى مكة أو إلى المدينة بكى وهو على قبرها؛ لأنها ماتت في الطريق، فقد كانت عند أخوالها ثم توفيت في الطريق، فسئل، فقال: ( أذن لي ربي في زيارة قبرها، ولم يأذن لي في الاستغفار لها )، وما استغفر رسول الله لأبيه أبداً ولا ثبت أنه أفاد في كلمة، ولا حتى لجده، وما كان للمؤمنين أن يستغفروا..
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى
[التوبة:113].
[خامساً: التوغل في الفسق أو الكفر أو الظلم يحرم صاحبه الهداية ]، فالكثرة في الفسق والفجور أو الظلم أو الشر أو الفساد، من شأنها أن صاحبها يحرم الهداية فيصبح غير قابل للتوبة والهداية، ولهذا نبهنا إخواننا وضربنا لهم المثل: فالذي عاش أربعين سنة أو خمسين سنة يشرب الخمر فلن يستطيع أن يتركها، والذي اعتاد على السجائر عشرين .. ثلاثين سنة فلن يقوى على تركها وهذه هي الحقيقة، فلهذا يجب علينا أن نتوب على الفور، زلت القدم فقلت كلمة باطلة، نظرت نظرة سيئة، تحركت حركة غير صالحة، استغفر الله وتب إليه، واعزم على ألا تعود، فيمحى ذلك الأثر بإذن الله ويزول، وهذه هي هداية الرب لعباده المؤمنين.
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم، وأن يتوب علينا وعليكم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله.