بهذا النداء فاز منا من فاز به، وسقط منا من سقط:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا 
[التوبة:119]، لبيك اللهم لبيك، ناداكم فأجيبوه! لبيك اللهم لبيك، يا من آمنتم بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً، وبلقاء الله والبعث والجزاء في الدار الآخرة! أيها المؤمنون! ماذا يقول لكم مولاكم؟ يقول لكم:
اتَّقُوا اللَّهَ 
[التوبة:119]، هذا هو أمره لنا:
اتَّقُوا اللَّهَ 
[التوبة:119]، بم نتقيه وكيف نتقيه؟ إن بلغنا أن عالماً بالهند يعرف هذا فهيا نمشي إليه نسأله: بم نتقي الله وكيف نتقيه؟ فإن لم نعلم فيا ويلنا، فإن قيل لنا: يوجد عالم في أقصى الشرق أو أقصى الغرب يعرف بم نتقي الله وكيف نتقيه، فهل يمكن أن ننام ونسكت ونأكل ونشرب أم نذهب إليه أو نبعث رسلنا ورجالنا يأتون بهذا البيان؛ لأن الرب تعالى مالك الملك قد أمرنا، فكيف لا نجيب؟!
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
[التوبة:119]، الحمد لله فبين أيدينا ومعنا من يعرف بم نتقي الله وكيف نتقيه، لا نرحل إلى السند ولا إلى الهند ولا الأندلس وإلى مكان آخر، أغلب المؤمنين يعرفون بم يتقون الله وكيف يتقونه.
حقيقة تقوى الله تعالى وكيفيتها
أما بم نتقي الله -أي: نتقي عذابه وسخطه علينا في الدنيا والآخرة- فبطاعته وطاعة رسوله، لا بالحصون ولا بالرجال ولا بالأموال، وإنما نتقي عذابه وسخطه بطاعته وطاعة رسوله، إذا قال: صم صمت، قال: أفطر أفطرت، قال: اسكت سكت، قال: انطقوا نطقنا، هذه هي الطاعة، نتقي الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما كيف نتقيه؟ فلا بد أن نعرف أوامر الله ورسوله، ونعرف مناهي الله ورسوله؛ لنفعل الأوامر كما بينها لنا رسول الله لا نزيد فيها ولا ننقص منها، ولا نقدم ولا نؤخر، بل نأتي بها كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها، ونعرف ما نهى الله عنه ورسوله من الكلمة الباطلة إلى الفجور إلى الكفر، وهذا يتطلب منا معرفة ذلك.
والمعرفة لذلك لن تتم ولن تكون لأي أمة في العالم الإسلامي إلا إذا أجمعت على كلمة: أنا إذا صلينا المغرب لا يتخلف منا أحد لا رجل ولا امرأة ولا طفل، فإذا صلينا المغرب جلسنا أمام المربي معلم الكتاب والسنة فيعلمنا ليلة آية من كتاب الله، وما تحمله من الهدى والنور، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله وما بينه ويبين من الهدى والنور، ونعلم ونعمل، وهكذا كل يوم طول العام، ومن ثم لا يبقى من لا يتقي الله ولا من لا يعرف أوامر الله ولا نواهيه، هذا هو الطريق، سلكه رسول الله برجاله، فهيا بنا نسلكه، أما المدارس والكليات والجامعات فقد تحولت إلى متاجر، تبعث بولدك تقول: تعلم لتتوظف، تعلم لتكون كذا وكذا، ما أصبحت فيها نية الطلب من أجل أن نعرف الله ونعرف كيف نتقيه.
هذا اللقاء في بيوت الرب تعالى يتم لكم في أي بلد ولو في تل أبيب، ولو في فرنسا وباريس ولندن، باب الله مفتوح، فقط ننتظم نحن أهل الحي أو أهل القرية ونقول إخواننا أبنائنا أحبائنا: من غدٍ لا يتخلف واحد إلا ذو عذر كمرض أو تمريض، فإذا صلينا المغرب فآية من كتاب الله نتغنى بها فتحفظ وتشرح لنا ويبين لنا مراد الله منها، والعزم على العمل: إذا كانت عقيدة عقدناها بقلوبنا لا تنحل إلى يوم القيامة، وإذا أتانا أمر عرفناه وعزمنا على النهوض به وأدائه، وإن كانت تحمل نهياً عن كذب عن غيبة عن أي إثم عزمنا على تركه وهكذا.
فمن صلاة الصبح ونحن في الحقول والمزارع والمصانع والمتاجر حتى تكاد الشمس تغرب فنوقف العمل، كما يفعل من اقتدينا بهم ومشينا وراءهم: اليهود والنصارى، دقت الساعة السادسة فوقف العمل، ويذهبون إلى دور السينما والملاهي والملاعب، ونحن إلى أين نذهب؟ إن كنا صادقين في إيماننا نذهب إلى بيوت ربنا؛ لنتعلم الكتاب والحكمة ونزكي أنفسنا.
فهذه رسالة رسول الله:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
[الجمعة:2]، أما علوم الدنيا والمادة فطول النهار وأنت فيها، تعلم ما شئت أن تتعلم، لكن هذا التعلم من أجل أن تصبح ولي الله، ومن ثم فأنت أسعد أهل الأرض.
الأمر بلزوم الصدق والصادقين