إسلام ويب

تفسير سورة المائدة (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يخبر الله سبحانه وتعالى عن اليهود أنه قد أخذ ميثاقهم على عهد موسى عليه السلام بأن يعملوا بما في التوراة، وأن يقاتلوا الكنعانيين ويخرجوهم من بيت المقدس، وبعث منهم اثني عشر نقيباً، فهؤلاء اليهود قد نقضوا عهدهم وميثاقهم، فكان جزاؤهم عند الله سبحانه وتعالى أن لعنهم، وجعل قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا كثيراً مما جاءهم به أنبياؤهم، فلا تصلح أحوالهم ولا يستقيم أمرهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). فهنيئاً لكم معشر الدارسين والمستمعين.

    ما زلنا مع سورة المائدة المباركة الميمونة، وألفت نظر المستمعين إلى أننا لا نرتل الآيات ترتيل أهل القرآن؛ من أجل أن نفهم معنى مراد الله عز وجل، هذا هو السر، وإلا فلو رتلنا فإن أكثر المستمعين لا يتفطنون لمعنى الآية.

    يقول تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة:12-13].

    المراد ببني إسرائيل

    قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، هذا إخبار من الله، الله يخبر عن نفسه: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، من هم بنو إسرائيل؟ اليهود، لم قيل فيهم: بنو إسرائيل؟ لأن إسرائيل لقب ليعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، هم بنو إسرائيل، ويحتفظون بنسلهم وذريتهم، فلهذا ما اختلطت بهم الأمم ولا الشعوب، ما يزوجون بناتهم لغيرهم، ولا يتزوجون من غيرهم إلا نادراً، فاحتفظوا بهذه النسبة، وهم المعروفون بعد ذلك باليهود، وقيل في تسميتهم باليهود: إنهم لما فعلوا تلك الجريمة، وطلب الله تعالى منهم التوبة قالوا: هدنا إليك يا ربنا، أي: رجعنا، فقيل فيهم: يهود، من هاد يهود: إذا رجع تائباً.

    مناسبة الآية لما قبلها

    إذاً: من أخذ عليهم الميثاق؟ الله عز وجل. وقد نقضوه: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13]، وما هو الميثاق؟ العهد الموثق المؤكد باليمين ذلك هو الميثاق؛ لأنه يربط صاحبه ربطاً كاملاً، وهنا ذكر تعالى هذا لنذكر نحن ميثاقنا مع ربنا، فقد تقدم ذلك في الآيات السابقة، ويكفي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:8-11]، فنحن عاهدنا ربنا ووثقنا المعاهدة عندما قلنا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فما من مؤمن ولا مؤمنة شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إلا وقد عاهد الله على أن يعبده وحده وبما شرع في كتابه وعلى لسان رسوله، ويجب الوفاء بذلك حتى الموت، ومن أشرك بالله أو أعرض عن عبادته فقد نقض ميثاقه، ولا عجب أن يحدث النقض، وقد حدث في بني إسرائيل أبناء الأنبياء.

    ثم المناسبة أيضاً في الآية: أنه تقدم لنا أن الله عز وجل طلب منا شكره على نجاة نبينا من قتل اليهود، وعرفنا كيف تآمر بنو النضير على قتله صلى الله عليه وسلم، وبالفعل هموا وعزموا وأرادوا، ولكن الله سلم ونجى نبينا من غدرهم وخداعهم، فكانت نعمة على كل مؤمن ومؤمنة أن يذكرها ويشكر الله عليها، ولا عجب فها هم بنو إسرائيل أمامكم، واسمعوا ماذا يجري فيهم وما تم لهم، فقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:12]، ونقضوه مئات المرات.

    معنى قوله تعالى: (وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً)

    وقوله: وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا [المائدة:12]، النقيب فوق العريف، النقيب ذاك المسئول الذي ينقب على الأمور ويبحث عنها ويصلحها وينظمها، والجمع: نقباء، قالت العلماء: هي درجة أعلى من العريف. إذاً: هؤلاء النقباء اختارهم موسى عليهم السلام، وكانوا اثني عشر نقيباً، كل قبيل أو سبط من أسباطهم، أو كل عائلة أو أسرة من أسرهم أخذ منهم رجلاً من خيرتهم، وبعث بهم ليتحسسوا أو ليزنوا قوة العمالقة وقدرتهم على القتال في فلسطين، وهذا يوم خرج موسى ببني إسرائيل في صحراء سيناء وكان الذي كان كما سيأتي؛ حيث جبنوا وما استطاعوا أن يقاتلوا؛ فكتب الله عليهم التيهان أربعين سنة في تلك الصحراء.

    ولما كان موسى يقودهم في الطريق ليقاتل العمالقة من كفار ومشركين ويخرجهم من أرض القدس بعث هؤلاء النقباء ليعرفوا قيمة قتال الكافرين، وقدرتهم على القتال، فأصيبوا بالخور والجبن والضعف، إلا رجلين منهم فقط، كما سيأتي بيانه في الآيات.

    معية الله تعالى لعباده المؤمنين

    قال تعالى: وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة:12]، باسم الله، قاتلوا العمالقة تنتصروا عليهم، أنا معكم، ومع هذا ما فعلوا، فالنقباء جاءوا يقولون العجب، يروى أن أحدهم قال لهم: إن عملاقاً أخذني وجعلني في جيبه، ووضعني بين أطفال يلعبون بي ويضحكون علي!

    ومن عاش أيام حرب ألمانيا الأخيرة سمع من العجب أكثر من هذا، فانهرموا فقالوا: لن نقاتل، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24].

    وكتب الله عليهم التيه أربعين سنة: يرحلون وينزلون، ويرحلون وينزلون، وأمدهم باللحم والعسل في تلك الصحراء، آية من آيات الله، ومات موسى عليه السلام وقبله هارون عليه السلام، ثم قادهم يوشع بن نون ، بعدما مات الجيل المهزوم وجاء جيل جديد، بعد أربعين سنة، كل من كان عمره أكثر من عشرين سنة وأربعين مات، فغزا بهم ودخل بيت المقدس وطهرها.

    والشاهد في قوله تعالى: وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ [المائدة:12]، وهل قال الله لنا: إني معكم؟

    الجواب: نعم. أما قال في عشرات الآيات: أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194]، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19]؟ فهيا اعملوا جاهدوا فالله معكم، الخور والجبن والضعف لا يصح، وإلا فكيف يخبر الله بأنه مع المتقين ولا نتقيه، يخبر بأنه مع المحسنين ولا نحسن سلوكنا ولا أعمالنا؟

    اشتراط إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لتحقق الوعد الإلهي

    وقوله تعالى: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ [المائدة:12]، انظروا إلى هذا الوعد الإلهي: وعزتي وجلالي لئن أقمتم الصلاة. وإقامة الصلاة هي أنه إذا أذن المؤذن وقف العمل، الفلاح يلقي بالمسحاة، الحداد يلقي بالآلة، التاجر يغلق باب تجارته، نادى المنادي فوقف العمل وأقبلت الأمة إلى بيت الرب، فيقيمون الصلاة يصلونها كما أمر الله وبين رسوله، وذلك طول الحياة، الصيف كالشتاء والخريف كالربيع، وحالة الجوع كحالة الغنى، هذا إقام الصلاة؛ لأنها عبادة يومية تلازم الحياة إلى نهايتها، فالمقيمون للصلاة أولئك الذين يتحدثون مع الله ويتكلمون معه ويناجونه خمس مرات في اليوم والليلة، إيمانهم لا يضعف، عقيدتهم لا تتزعزع كمالهم لا ينقص، بل يزدادون كمالاً وثباتاً، ومظهر تلك الإقامة: أنه لا يبقى في المدينة ولا القرية فحش ولا منكر ولا باطل ولا خبث ولا شر ولا فساد، وإن قلت: ها نحن نقيم الصلاة ونشاهد هذا، قلنا: فهل الذين يقيمون الصلاة تجدهم في السجون يتعاطون الحشيش أو الأفيون؟ والله لا أحد منهم، هل الذين يقيمون الصلاة تراهم يشهدون الزور في المحاكم؟ هات واحداً منهم؟ هل الذين يقيمون الصلاة ترى بينهم من يسب ويشتم الناس؟ فالذين خرجوا عن نظام الله في طاعته وطاعة رسوله إما تارك صلاة أو مصلون غير مقيمين للصلاة، يدخلها ويخرج منها ما عرف ماذا كان يقول ولا مع من كان قائماً.

    لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ [المائدة:12]، أي: أعطيتم الزَّكَاةَ [المائدة:12] ثانياً، من كان عنده مال صامت أو ناطق، بين لنا رسولنا كيف نزكي الإبل والبقر والغنم، إذا حال الحول على غنمك أو بقرك أو شاة ضأنك فزك، هذا هو المال الناطق، والصامت كالغلال: البر والقمح والشعير والتمر والثمار، حصدت باسم الله فأخرج الزكاة، والصامت أيضاً: الدينار والدرهم، حال الحول على ما عندك وهو يساوي قيمة سبعين جرام ذهب فأخرج زكاته.

    صورة مثالية لحياة إسلامية اجتماعية

    لو كان أهل القرية أهل الحي من أحياء المدن يجتمعون في بيوت ربهم اجتماعنا هذا، وذلك كل ليلة طول العمر، يتلقون الكتاب والحكمة بالنساء والرجال والأطفال، النساء وراء ستارة والأطفال دونهن في صفوف كصفوف الملائكة وعليهم من يراقبهم والفحول أمام الجميع، ويدرسون كتاب الله كما ندرس الآن طول الحياة، هل يبقى بينهم ظالم جاهل؟ لا يبقى، يصبحون كالملائكة، هذه القرية صندوقها الحديدي أو الخشبي في محراب المسجد؛ لأن مسجد القرية أو الحي يصبح كخلية النحل، يبيت الناس ركعاً وسجداً يبيتون يتلون كتاب الله، لا يخلوا أبداً المسجد من الصالحين طول النهار والليل، ما يغلق باب المسجد، وفيه صندوق يقول المربي: معاشر المؤمنين والمؤمنات! من وجبت عليه زكاة فليأت بها ليودعها في هذا الصندوق، من وجبت عليه كفارة فليودعها في هذا الصندوق، من أراد أن يتصدق عن أبويه فليأت بصدقته، هذا الصندوق يمتلئ، والله ما يبقى في قريتهم أو حيهم من يسأل الناس أو يمد يده أو يفكر في أن يسرق أو يسلب أو يرتكب جريمة، وتظهر ثمار الزكاة، فإن قلت: ما نستطيع أن نفعل هذا يا شيخ؟ إذاً: فليبق هذا الهبوط والسقوط والبلاء والشقاء.

    أركان الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل وجزاء الوفاء به

    والشاهد عندنا: أن بني إسرائيل هؤلاء أخذ الله عليهم هذا العهد والميثاق: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [المائدة:12]، عامة الرسل، كل من أرسله الله فهو رسول، من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [المائدة:12]، ومع الأسف أنهم كفروا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهم كفروا بالرسل، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي [المائدة:12]، هذا مما أخذ عليهم من العهد، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ [المائدة:12]، قويتموهم ونصرتموهم، معظمين مبجلين لهم، لا مهينين ولا محتقرين لهم، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المائدة:12]، أيضاً، وهو غير الزكاة، الصدقات تسمى: قرضاً، من أراد أن يقرض الله فالله يقبل القرض، ويرد عليك بالأضعاف: الحسنة بعشر، حتى يسد باب الفقر وتنتهي الخلة بين المؤمنين.

    ثم ذكر الجزاء فقال: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [المائدة:12]، التي قارفتموها وارتكبتموها، وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [المائدة:12]، الأنهار تجري من تحت الجنة، من تحت قصورها ومن تحت أشجارها وما فيها من نعيم، فالدنيا الزائلة فيها أنهار، فكيف بالدار الخالدة؟

    وقد عرفنا الأنهار في الجنة في كتاب الله، نهر الماء غير الآسن، واللبن الذي لم يتغير طعمه والخمر التي هي لذة للشاربين والعسل المصفى.

    وعيد الله لبني إسرائيل في نقض ميثاقهم

    ثم قال لهم: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة:12]، أخطأ الطريق الموصل إلى السعادة والكمال، بل تاه في متاهة الضياع والخسران، هذا مما أخذ الله على بني إسرائيل، وتوعدهم، ونحن مثلهم أم لا؟ نحن أولى بهذا، اسمع ما أعطانا نحن: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55]، بماذا؟ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، هذا لنا أو لبني إسرائيل؟ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [النور:55] يا أمة محمد، وعدهم بماذا؟ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ [النور:55]، أي: يجعلهم خلفاء يسودون العالم ويحكمون الناس، وهل فعل أو لم يفعل فعل؟ لقد فعل، فثلاثمائة سنة وراية الإسلام في عنان السماء ولا استطاع الشرق ولا الغرب أن ينال منها منالاً، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، كانوا في المدينة ما يستطيع أحدهم أن يتبول في الليل، وبدل الله الخوف بالأمن، ولكن: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، وقال لبني إسرائيل أيضاً: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة:12].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087887459

    عدد مرات الحفظ

    774569083