إسلام ويب

تفسير سورة طه (16)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن سنة الله عز وجل الجارية في المعرضين المكذبين أن يمد لهم ويستدرجهم، وقد أخبر عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أنه لولا ما سبق في كتابه من إمهال قومه رغم كفرهم رجاء أن يؤمنوا آخر الأمر لكان وقع عليهم العذاب، ثم أمر الله نبيه بالصبر عليهم وعلى ما يقولونه في حقه من الكذب والافتراء، وأن يستعين على ذلك بالصبر والصلاة، ويكتفي بأمر أهله ومن آمن معه بإقامة شعائر الدين الحنيف.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة طه المكية، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

    قال تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُوْلِي النُّهَى * وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:128-132].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ [طه:128].

    أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [طه:128] أي: لأهل مكة.. لكفار قريش، لكفار العرب، للكفار عامة.

    كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ [طه:128] أي: من أهل القرون: عاد وثمود، ومدين وصالح، والمؤتفكات، وما إلى ذلك.

    فلو فكروا.. لو كان لهم عقول سليمة صحيحة لعرفوا أنهم كالأمم السابقة، أهلكها الله لما أبت أن تستجيب لدعوته، وكذبت رسله وحاربتهم، ولو فكر أهل مكة والقرشيون هذا التفكير لنجوا، ولكن مع الأسف لا عقول لهم.

    أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [طه:128] ويبين لهم الطريق طريق النجاة فعلنا بالأمم السابقة كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ [طه:128] في طريقهم إلى الشام.. إلى مصر ويشاهدون آثارهم، وفي الجنوب جنوب اليمن عاد، ثم ما في هذا من الآيات والله لآيات أوضح من الشمس والقمر، ولكن لأولي العقول.

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ [طه:128] بينات واضحات تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث الآخر حق، وأنه لا سعادة ولا كمال إلا بالعمل بما شرع الله من أقوال واعتقاد وأعمال ولكن لِأُوْلِي النُّهَى [طه:128] أي: لأصحاب العقول.

    إذا وقفت على مدائن صالح وشاهدت تلك المدن الخربة تقول: أين أهلها؟ أين سكانها؟ كيف أهلكهم الله؟ ولماذا أهلكهم؟

    الجواب: لأنهم كفروا وعصوا وفسقوا وعقروا الناقة وفعلوا الأعاجيب بصالح عليه السلام؛ فأهلكهم الله.

    والمؤتفكات.. مدين وما إلى ذلك، ولكن يقول تعالى: إن في هذا الذي سمعتموه لآيات واضحة لأولي النهى.

    والنهى: جمع نهية، وهو العقل. أي: لأولي العقول، صاحب العقل يفكر ويهديه عقله ويبين له الطريق.

    يعصمه فيصرفه عن الباطل والشر، والذي لا عقل له كالأحمق والمجنون لا يجد شيئاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088560404

    عدد مرات الحفظ

    777335853