إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (32)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما التقى سحرة فرعون مع موسى عليه السلام خيروه بين أن يبدأ هو بإلقاء سحره أو يبدءون هم، فطلب منهم إلقاء سحرهم، فسحروا أعين الناس وجاءوا بسحر عظيم، عند ذلك ألقى موسى عليه السلام عصاه فإذا بها تلقف ما أتوا به من السحر، فلما رأى السحرة ذلك أيقنوا أن ما جاء به موسى هو الحق من ربه، وليس هو من السحر الذي يأتون به، فسجدوا بين يدي موسى لله رب العالمين، ولم يثنهم عن الإيمان ما توعدهم به فرعون من العذاب والنكال.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية، وها نحن مع قصة موسى وفرعون، هذا القصص العجيب أسألكم بالله: كيف يعلمه محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي لو لم يكن وحياً يوحيه الله إليه؟! قصص بكل جزئياته يقصه، ولن يستطيع اليهود ولا النصارى أن يردوا عليه حادثة واحدة، إذاً: آمنا بالله .. آمنا بالله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والآن لنستمع إلى الآيات مرتلة مجودة، ثم نأخذ في بيانها وشرحها.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [الأعراف:109-122].

    ذكر ما طلبه السحرة من فرعون من متاع الدنيا

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ [الأعراف:113] سبق في الآيات أن فرعون انتدب علماء السحر من جميع أطراف المملكة، وقيل: إنهم سبعة آلاف ساحر. وليكونوا سبعين ساحراً، وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ [الأعراف:113] لأنه انتدبهم ودعاهم، وأرسل إليهم رجاله فحشروهم وجمعوهم، قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [الأعراف:113] إن نحن غلبنا هذا الساحر العليم فلا بد لنا من أجرة معينة، إما مراكز في الدولة وإما إجازات وجوائز، وفي هذا طلب الجائزة لمن يريد أن يعمل، إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ [الأعراف:113]، أما إذا غلبنا وانهزمنا فلا أجر لنا، فأجابهم فرعون: أي نعم، لكم أجر، أعطيكم أجراً على غلبكم وانتصاركم، وهزيمتكم لهذا الذي يريد أن يسلبنا دولتنا وملكنا، وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الأعراف:114] تصبحون من المقربين في القصر، ومع رجال الحكومة والملأ والدولة، لكم قيمتكم ومنزلتكم في الأمة! وفرعون يقول هذا لأنه منهار منهزم.

    أدب السحرة مع موسى وبيان مراده من تأخير إلقاء عصاه

    والآن إلى المباراة العظيمة التي ما شهدت الدنيا مثلها:

    قالوا: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف:115] تبدأ أو نبدأ نحن، قال القرطبي في تفسيره: تأدبوا مع رسول الله ونبيه موسى، فنالتهم بركة تأدبهم فأسلموا عن آخرهم، وكانوا من أهل الجنة! فموسى فرد وهم أمة، فقالوا: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ [الأعراف:115]، وموسى يريد أن تكون له الضربة الأخيرة، فقال: ألقوا أنتم، لأن الضربة الأخيرة هي التي يتم بها الأمر وتنتهي بها المعركة: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ [يونس:80]، فلما ألقوا فماذا ألقوا؟ عصيهم وحبالهم التي تحولت في الظاهر في النظر إلى ثعابين وحيات تملأ الساحة كاملة، وهذا هو سحر العيون، أما الواقع فوالله! ما هي إلا حبال وعصي فيها نوع من العقاقير جعلها تهتز، أو هو سحر حقيقي لأعين الناس، فالذين ينظرون يظنون أنها حيات وثعابين تهتز في الوادي، حتى إن موسى خاف، لما شاهد تلك المناظر والمظاهر العجيبة خاف، ولكن الله عز وجل نهاه عن الخوف، جاء هذا في سورة طه: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى [طه:67-68].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088478422

    عدد مرات الحفظ

    776926752