إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (39)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما كان موسى عليه السلام في ميقات ربه وانقطع عن قومه أربعين ليلة سول الشيطان في تلك الأثناء للسامري ليصنع لهم عجلاً من ذهب، فجمع حلي نساء بني إسرائيل ثم جعله في النار ثم صبه على شكل عجل له خوار، وأخبرهم أن هذا هو إلههم وإله موسى، فلما رأوا أنه لا يرجع إليهم قولاً سقط في أيديهم، وأدركوا أنهم قد ضلوا، فرجعوا إلى ربهم تائبين منيبين.
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر ونفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن نصغي مستمعين إلى تلاوة الآيات مجودة مرتلة، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما جاء فيها من الهدى والنور.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ * وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:146-149]. صدق الله العظيم.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! الآيتان الأوليان وإن درسناهما فنحن نذكر أنفسنا أولاً بهما، والذكرى تنفع المؤمنين.

    صرف الله تعالى المتكبرين عن الآيات

    فقول ربنا جل ذكره: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] أليس هذا وعد الله؟ وهل الله يخلف وعده؟ يا ويل المتكبرين، فإن كبرياءهم هي علة صرف الله تعالى لهم، إذا وجد هذا الداء هذا المرض في النفس البشرية حرم صاحبه هداية الله، يصرف صرفاً عن الحق، فلهذا يجب أن نعالج أنفسنا، فمن وجد في نفسه ضرباً من الكبر فيجب أن يعالجها حتى يبرأ، ومن أراد أن يعالج نفسه فليذكر نشأته الأولى، ما أول وجوده؟ أليست نطفة قذرة؟ وهو يمشي بين الناس ويقول ويصول ويجول وهو يحمل في بطنه العذرة، ونهايته جيفة منتنة ترمى في المقبرة، هذا يعالج مرض الكبر، ثم فوق ذلك: من أنت يا عبد الله؟ ألست عبداً لله؟ إذاً: يجب أن تذل له وتنكسر بين يديه، فلم يبق لك مجال أن ترتفع وأنت عبد يجب أن تذل لخالقك ومالكك، ومما يساعد على ذلك: فعل ما أمر الله تعالى به وترك ما نهى الله عنه.

    هذا الوعد الشديد: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] وصرفهم عن الآيات فلا يبصرون، قلنا لكم: يعيش هذا المتكبر هذا الجاهل سبعين سنة ما يتفكر في الشمس من خلقها، ولا هذا النبات من أنبته، ولا أمه من أوجدها، ولا مصيره إلى أين، لا يتفكر أبداً، مصروف صرفاً كامل.

    إذاً: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأعراف:146] وهو الواقع، وإن يشاهدوا كل آية من المعجزات، من الكرامات، من آيات الله في الكتاب تقرأ عليهم، في الكون بما فيه، الحياة والموت أيضاً؛ فلا يتنازلون ولا يزول كبرياؤهم، ولا يؤمنون.

    ثالثاً: وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ [الأعراف:146] الطريق الموصل إلى السعادة، إلى الكمال، إلى الطهر، إلى الصفاء ألا وهو دين الله الحق الإسلام، إن يروه لا يتخذوه سبيلاً.

    وهنا ضغطة على هذا الزر القديم: أرأيتم كيف أقبل إخوانكم وآباؤكم على الاشتراكية؟ وصفقوا لها وقاموا وقعدوا، هل هي سبيل رشد أو سبيل غي؟ لم لا يقبلون على الإسلام ويطبقونه وهو سبيل الرشد؟ ما الذي صرفهم؟ كبرياؤهم التي كانت في نفوسهم، ولهذا عموا عن آيات الله التنزيلية والكونية ولم يبصروا شيئاً، وصفق لهم الماسونيون فأقبلوا على الاشتراكية، وهي -والله- سبيل غي، فلا ننسى هذه الورطات التي تورط فيها آباؤنا وإخواننا، هذا وعد الله.

    وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف:146] ولا يمشون معه، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146] والله! لو آمنوا بآيات الله وما غفلوا عنها لما تورطوا في هذا الباطل ولطبقوا شريعة الله وحكموا كتابه في عباده منذ أن استقلوا ورفعوا راية الحكم، ولكن كذبوا بآيات الله وإن لم ينطقوا، فقلوبهم ما هي بمؤمنة، لو آمن العبد بقلبه فوالله ما يستطيع أن يعصي الله ولا يقدر على ذلك، وأنتم تعرفون بأنفسكم، فهذه صورة دعوية للإيمان بآيات الله، فالذي ما يقرأ القرآن عليه ولا يسمعه هل آمن به؟ ويقرءونه على الموتى، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].

    حبوط عمل المكذبين بآيات الله ولقاء الآخرة

    ثم قال تعالى في وعيد شديد: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:147] القرآنية الحاملة للشرائع والهداية الإلهية، وَلِقَاءِ الآخِرَةِ [الأعراف:147] مع من هذا اللقاء يتم؟ مع الله عز وجل؛ للحساب الدقيق والجزاء العادل، ما آمنوا بيوم القيامة، لو آمنوا بيوم القيامة لما أعرضوا عن الله ولا عن كتابه ولا سنة رسوله، بل بكوا واطرحوا بين يدي الله يسألونه الهداية.

    وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [الأعراف:147] هبطت، تمزقت، تلاشت، والله! ما يستفيدون منها شيئاً حتى ولو كان لهم أعمال صالحة فمع الباطل ذابت معه، حبطت أعمالهم.

    ثم قال تعالى: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:147] من يجيب؟ والله! ما يجزون إلا ما كانوا يعملون، لأن الله عدل وغني عن أن يظلم عبداً من عباده، ما يجزون إلا ما كانوا يعملونه باختيارهم وإراداتهم وهم أرباب عقول وفهوم ومنطق وكلام، هذه الآيات لو تعرض على المسلمين طول العام لعلها تعيد ذاك الذي ضاع من نفوسهم من حب الله والخوف منه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088456453

    عدد مرات الحفظ

    776839669