إسلام ويب

تفسير سورة الأعراف (49)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من سنة الله عز وجل أنه يستدرج المكذبين بآياته، والمعرضين عن رسالاته، ويمهلهم ويمد لهم، حتى إذا أخذهم فإنه يأخذهم أخذاً شديداً، وفي هذا تهديد ووعيد لكفار مكة الذين أنكروا ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، بالرغم من علمهم بصدقه وأمانته، ومعرفتهم بسلامة عقله وديانته، وأن ما جاءهم به هو الحق من ربه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.

    من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي تقرر هذه المبادئ:

    أولاً: لا إله إلا الله.

    ثانياً: محمد رسول الله.

    ثالثاً: لقاء الله والبعث والجزاء والحساب، ثم الجنة أو النار.

    رابعاً: التشريع والتقنين حق الله رب العالمين، ليس من حق آدمي أن يشرع ويقنن عبادة من العبادات، وإنما ذلكم لله عز وجل.

    فهيا بنا نستمع تلاوة الآيات، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها، فلنصغ مستمعين.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ * مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأعراف:182-186].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بين يدي الدرس كلمة ألح علي الإخوان في بيانها، وهي: هل هناك ليلة النصف من شعبان يصام يومها ويقام ليلها ويتعبد فيها أكثر مما يتعبد في غيرها؟

    الجواب: لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الشارع الحكيم وهو المشرع بإذن الله، لم يصح في ليلة النصف من شعبان حديث قط، ولهذا لم يقل بذلك إمام المسلمين الأعظم أبو حنيفة ولا مالك ولا تلميذ مالك الشافعي ، ولا تلميذ الشافعي أحمد رحمهم الله أجمعين، لا وجود لصيام في هذا اليوم بخاصة ولا قيام بخاصة.

    والشبهة التي يتمسك بها الغافلون هي في قول الله تعالى من سورة الدخان: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا [الدخان:1-5]، هذه الآية تذكر لنا قيمة ليلة القدر ومنزلتها عند الله، لا ليلة النصف من شعبان.

    اسمع الآية: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ [الدخان:3]، أي: القرآن، فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:3-4]، هذا -والله- لا ينطبق إلا على ليلة القدر، أما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]؟

    وفي ليلة القدر أحداث العام كلها تؤخذ من الديوان الأعظم من السجل الأكبر، من كتاب القضاء والقدر، وتطبق في ذلك العام، حتى إن المرء ليتزوج ويلد وهو ميت، أي: في عداد الموتى، يتزوج أول محرم، وبعد تسعة أشهر يلد في شهر رمضان وهو في عداد الموتى، في شوال أو القعدة يموت، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:4]، ويفصل.

    أما قيام هذه الليلة وصيام يومها فوالله! ما صح عن أبي القاسم في ذلك شيء، والمؤمنون يصومون أكثر شعبان، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصوم في شعبان، ولكن لا يختمه ويكمله، يفطر قبل رمضان، فمن أراد أن يصوم فليصم شعبان، فليصم يوماً بعد يوم، أما الأيام الثلاثة البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؛ فالمؤمنون يصومونها في كل شهر؛ لأنها تعدل صيام الدهر، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أيام البيض -أي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر- تعدل صيام الدهر؛ ذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها، فثلاثة في العشر بثلاثين، فكأنما صام الدهر كله.

    وابتدع الناس الصلاة في هذه الليلة يصلون مائة ركعة، من أمر؟ من أذن؟ من أين؟ مجرد اجتهاد فقط.

    نحن نبين الطريق وندعو إخواننا إلى السلوك، فكل بدعة ضلالة، والبدع لا تنتج طاقة نورانية في القلب، ولا تزكي النفس، حسبنا ما شرع لنا رسول الله وبين لنا من العبادات، فلا رجبية ولا شعبانية، وإنما ليلة القدر، هذه الليلة يطلبها المؤمنون، فبعضهم في رمضان لا ينام حتى يدركها، على الأقل العشر الليالي التي هي في الغالب فيها، لا ينامون من أجلها؛ إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر خرج من المسجد واعتكف وطوى فراشه وقام ليلة كله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فلا توجد شعبانية ولا رجبية، لا في كتب التفسير، ولا في القرآن ولا في السنة، وإنما هي عند بعض المتصوفة، لا أقل وأكثر.

    وصوموا شعبان كاملاً إن استطعتم، وتصدقوا بما استطعتم، وقوموا ليلكم ولا حرج، لكن تخصيص ليلة بعبادة فذلك نحتاج فيه إلى شرع من الله عز وجل، هو الذي يعين ذلك ويبينه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088482385

    عدد مرات الحفظ

    776940210