إسلام ويب

تفسير سورة الروم (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مظاهر إعجاز القرآن الكريم ما ورد فيه من إخبار بالغيبيات، ومنها الإخبار بانتصار الروم النصارى -وهو ما كان يودّه المسلمون- على الفرس المجوس، وقد حدد القرآن (بضع سنين) لتحقق هذا الخبر، فكان أن وقع الانتصار، ففرح المؤمنون يومها فرحتين: فرحة انتصار أهل الكتاب على الوثنيين، وفرحة انتصارهم يوم بدر على المشركين.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فها نحن اليوم مع فاتحة سورة الروم المكية، ذات الستين آية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من فاتحة هذه السورة ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:1-7].

    المراد بالحروف المقطعة في فواتح السور

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: قول ربنا جل ذكره: الم [الروم:1] هذه الحروف افتتح بها العديد من سور القرآن الكريم.

    وإن سألت عن معناها أهل العلم فالجواب: الله أعلم بمراده بهذه الحروف.

    وهي كما علمنا:

    ق [ق:1]، ن [القلم:1]، ص [ص:1].. من حرف واحد.

    يس [يس:1]، طه [طه:1]، من حرفين.

    طسم [الشعراء:1] من ثلاثة أحرف.

    كهيعص [مريم:1] من خمسة أحرف.

    فإذا سئلت عن معناها فقل: الله أعلم بمراده منها. وهذا الذي كان عليه سلف الأمة الصالح.

    فوائد وأسرار الحروف المقطعة في فواتح السور

    هناك لطيفتان كررنا القول فيهما وأعدناهما في كل سورة مفتتحة بهذه الحروف:

    الفائدة الأولى أو اللطيفة الأولى: أن العرب كذبوا بأن يكون القرآن كلام الله، وقالوا في الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه شاعر. وقالوا: ساحر. وقالوا.. وقالوا .. وأبوا أن يؤمنوا بأن هذا القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله وأنزله عليه؛ حتى لا يدخلوا في الإسلام.

    فتحداهم الله عز وجل بالإتيان بمثل هذا القرآن الكريم، تحداهم ومعهم الجن أيضاً؛ إذ قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].

    هذا القرآن مركب من هذه الحروف: (طسم)، (الم)، فاجتمعوا أنتم وتعاونوا، واستعينوا بالجن، وأتوا بقرآن مثل هذا القرآن. فعجزوا.

    فتحداهم بعشر سور، كما جاء في سورة هود فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود:13] فعجزوا أن يأتوا بعشر سور، والقرآن فيه مائة وأربعة عشر سورة.

    وتحداهم أخيراً في المدينة بسورة كما في سورة البقرة: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة:23-24] إذاً فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24].

    فهذا القرآن الذي تحداهم مركب من هذه الحروف، وليست حروفاً أعجمية لا يعرفونها، ولا ينطقون بها، بل هذه الحروف: (ص) (حم) (عسق) .. .

    الفائدة الثانية واللطيفة الثانية: لما أخذ القرآن ينتشر، وخاف المشركون أن يصل إلى قلوب الناس صدر أمر حكومي.. أصدره حاكم مكة أبو سفيان بمنع المواطنين من سماع هذا القرآن الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

    ممنوع على المواطنين أن يسمعوا هذا الكلام، وأن من ضبط وهو يسمع للرسول أو لـأبي بكر أو بلال يؤدب.

    لماذا صدر أمر بالمنع؟

    لأن العرب لم تعرف مثل هذا القرآن أبداً، فإذا سمعوا القارئ يقرأ: (طسم) لا بد وأن يصغي؛ لأنه لم يسمع هذا الصوت من قبل، فإذا أصغى ومد أذنيه تغلغل نور القرآن إلى قلبه، فيقول: آمنت بأن محمداً رسول الله.

    إذاً: فاحتاطوا لذلك، فمنعوا سماع القرآن، فكان القرآن ينزل بهذه الحروف، فيجدون أنفسهم مضطرين إلى سماعها، واقرءوا قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] أولاً: لا تسمعوا. ثانياً: إذا اضطررتم إلى السماع والقارئ يقرأ كـأبي بكر أو عمر أو فلان فصيحوا أنتم بالباطل واللغو؛ حتى لا يستفيد السامعون ولا يصل إلى قلوبهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].

    ومن اللطائف التي فتح الله بها علينا جميعاً: أن خصوم الإسلام وأعداءه عرفوا أن هذا القرآن روح، وأنه لا حياة بدونه، وأن هذه الأمة حييت بهذا القرآن، فأصدروا أمرهم بمنع تفسير القرآن حتى لا يجتمع اثنان أو ثلاثة على آية يتدارسونها.

    وماذا يفعلون بالقرآن؟ قالوا: يقرءونه على الموتى، ويقرءونه على الموتى لا في المقبرة فقط بل في بيوت الميتين.

    أليس كذلك؟ بلى. من إندونيسيا إلى موريتانيا، إذا مررت وسمعت القرآن في بيت علمت أن هناك ميتاً.

    فهل عرفتم هذه المكائد التي يكيدها اليهود، والنصارى، والمشركون؟!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088546143

    عدد مرات الحفظ

    777244660