إسلام ويب

تفسير سورة الأنفال (19)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما أسر العباس بن عبد المطلب في بدر طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يفادي نفسه وأبناء أخيه المأسورين معه، فلزمه لذلك مال كثير، وهذا كان حال سائر الأسرى بيد المسلمين، فكان بعضهم يظهر الإسلام هروباً من المال الذي سيدفعه للفداء، فأخبر الله المؤمنين أن يخبروا من عندهم من الأسرى أن الله عز وجل سيعوضهم بعد إيمانهم عما أخذ منهم من الفداء إذا علم صدق إيمانهم، وأما من يؤمن في الظاهر مخادعة للمؤمنين فإنه لن يضرهم وسيمكن الله عز وجل منهم في مرة ثانية كما أمكن منهم في المرة الأولى.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأنفال المدنية المباركة الميمونة، ومع هاتين الآيتين الكريمتين، فهيا بنا نصغي مستمعين لتلاوتهما مجودة مرتلة، ثم بعد ذلك نتدارسهما، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس وما نتعلم ونسمع، فإلى تلاوة الآيتين الكريمتين بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الأنفال:70-71].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قبل الشروع في دراسة هاتين الآيتين أذكركم ونفسي بهداية الآيات الثلاث التي تدارسناها بالأمس، قال الشارح: [ من هداية الآيات: أولاً: إرشاد الله تعالى لقادة الأمة الإسلامية في الجهاد ألا يفادوا الأسرى، وألا يمنوا عليهم بإطلاقهم إلا بعد أن يثخنوا في أرض العدو قتلاً وتشريداً، فإذا خافهم العدو ورهبهم عندئذٍ يمكنهم أن يفادوا الأسرى أو يمنوا عليهم ]، وأخذنا هذه الهداية من قوله تعالى: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ [الأنفال:67].

    قال: [ أولاً: إرشاد الله تعالى لقادة الأمة الإسلامية ]، أي: الذين يخوضون معارك الجهاد في سبيل الله، وذلك ألا يفادوا الأسرى ولا يمنوا عليهم حتى يثخنوا في أرض العدو ويشردوه ويصبحوا يرهبهم ويخافهم، وحينئذٍ هم أحرار، إن شاءوا فادوا وإن شاءوا منوا بلا فداء.

    قال: [ ثانياً: التزهيد في الرغبة في الدنيا لحقارتها، والترغيب في الآخرة لعظم أجرها ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ [الأنفال:67]! فهذا اللوم وهذا العتاب موجه إلى الذين رغبوا في الفداء وأرادوا أن يفادوا أسراهم، فعاتبهم الله بهذا اللفظ: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ [الأنفال:67]!

    قال: [ ثالثاً: إباحة الغنائم ]، إذ كانت محرمة على الأمم السالفة، فقد كان النبي إذا غزا وغنم فإنه يجمع الغنائم وتأتي نار من السماء فتحرقها ولا يستفيدون منها شيئاً، وإكراماً لهذه الأمة فقد أباح الله لها الغنائم، إذ قال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا [الأنفال:69].

    قال: [ رابعاً: وجوب تقوى الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله في الأمر والنهي ]، وطاعة قادة الحرب للمسلمين، وكل ذلك في ما هو معروف؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، والآية الكريمة تقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ [الأنفال:69].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537924

    عدد مرات الحفظ

    777199547