أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع سورة الأنفال المدنية المباركة الميمونة. وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا نصغي إليها، مستمعين تلاوتها، مجودة مرتلة، ثم نشرع إن شاء الله في بيان هدى الله فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:20-23].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:15] هذا نداء من نداءات الرحمن عز وجل، فقد نادانا بعنوان الإيمان؛ لأننا مؤمنون. وقد علمتم أن المؤمن حي، يسمع النداء ويجيب، وأما الكافر فهو ميت، لا يسمع ولا يجيب. وهذه فضيلة من أعظم الفضائل، وكرامة من أجل الكرامات، فالله عز وجل ينادينا، ونحن لسنا شيئاً حتى ينادينا رب السموات والأرض وما بينهما، العزيز الجبار الذي يقول للشيء: كن فيكون، الذي خلق السموات السبع والأرضين السبع، وما فيهما وما بينهما، ولكنها منة الله، فهيا نحمد الله قائلين: الحمد لله أن جعلنا من المؤمنين، ونادانا في كتابه العزيز بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:15]. فلنقل: لبيك اللهم لبيك!
وقد أمرنا تعالى هنا أن نطيعه تعالى فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه، وأن نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وينهى عنه؛ إذ الطاعة ليست إلا هذا الذي سمعتم، أي: أن تذعن وتطيع ربك فيما يأمرك به من قول أو فعل أو اعتقاد، وفيما ينهاك عنه من اعتقاد باطل، أو قول سيء، أو عمل فاسد. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بما يأمر الله به، وينهى عما ينهى الله عنه، فيطاع الرسول صلى الله عليه وسلم كما يطاع الله، و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
سر الأمر بطاعة الله ورسوله أن بها والله سعادة الدارين، والكمال فيهما معاً. وكذلك العكس، فمعصية الله ومعصية رسوله تقودان العبد إلى الخسران الدائم والهلاك الأبدي.
والله ليس في حاجة إلى صلاتنا ولا صيامنا، ولا إلى رباطنا ولا جهادنا، ولا إلى صدقاتنا ولا غير ذلك، فهو في غنى مطلق، وإنما هذه الطاعة من شأنها أن تزكي أنفسنا، وتطهر أرواحنا، فنصبح بذلك أهلاً لأن يرضى عنا، وينزلنا بجواره في الملكوت الأعلى.
وقوله تعالى: وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20]، أي: إذا سمعت أمر الله أو أمر رسوله، أو نهي الله أو نهي رسوله فلا تتولى عنه وأنت معرض، ولا تتولى عنه وأنت تسمع، ولو لم يبلغك فأنت معذور، وكذلك لو لم تسمع تعذر، ولكن إذا سمعت أمر الله أو أمر رسوله، أو نهي الله أو نهي رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم أعرضت بعد سماعك، ولم تفعل الواجب ولم تترك المحرم فهذه زلة عظيمة، لا يرضى بها ذو عقل بحال من الأحوال.
وهذا النداء يؤدب المؤمنين ويربيهم على النحو الذي يكملون عليه ويسعدون.
فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:20]! أي: يا من آمنتم بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ًورسولاً، وأيها المؤمنون الأحياء! أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال:20] في الأمر والنهي. فإذا أمرك الله أن تعتقد أن الله مستو على عرشه فيجب أن تعتقد، وإذا أمرك الله أن تؤمن أنه أرسل محمداً فآمن برسالته، وإذا أمرك أن لا تقول سوءاً ولا تنطق بباطل فلا تفعل، وتلك هي العبادة، فهي طاعة الله وطاعة رسوله فيما يأمران به، وفيما ينهيان عنه. واحذروا أن تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20]. فلا تسمع قال الله كذا ثم تعرض، ولا تسمع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ثم تعرض وتتولى؛ لأن هذا انتحار، فالذي يسمع أمر الله ولا يبالي به ويسمع نهي الله ولا يبالي به هالك، ولذلك قال تعالى: وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20].
فلا تكونوا كالمنافقين واليهود والمشركين الذين قالوا: سَمِعْنَا [الأنفال:21] ما تقوله يا محمد! وفي نفس الوقت لا يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]، أي: لا يستجيبون. فلا يعتقدون ما أمرهم باعتقاده، ولا يسكتون عما نهاهم عن التكلم به، ولا يتركون الشرك وعبادة غير الله.
هذا النداء الأول، وهو كما سمعتم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأنفال:20-21].
وشر الدواب حتى نعرفهم فلا نقربهم ولا نمشي وراءهم ليسوا الحيات ولا الثعابين، ولا الكلاب ولا الخنازير، وإنما هم الذين بينهم تعالى بقوله: الصُّمُّ الْبُكْمُ [الأنفال:22]، أي: الصم الذين لا يسمعون نداء الله ولا رسوله، ولا أمر الله ولا أمر رسوله، ولا نهي الله ورسوله، والبكم الذين لا ينطقون بكلمة الحق، ولا يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يأمرون بمعروف، ولا يقدرون على أن يقولوه، ولا ينهون عن منكر ولا يجتنبونه. فهؤلاء شر الدواب. وقد بينهم تعالى في سورة من كتابه، وهي سورة البينة بين الزلزلة والقدر، إذ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]. فشر البرية هم الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، فهم شر البرية، أي: الخليقة.
إذاً: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ [الأنفال:22]. ويقال: فلان أصم أي: لا يسمع، وأبكم أي: لا يتكلم بالحق أبداً ولا يعرفه، ولا ينطق به. ونعوذ بالله من هاتين الصفتين: البَكَم والصمم. فالأصم هو: الذي لا يسمع، والأبكم: الذي لا ينطق. وكل من لا ينطق بالمعروف فهو أبكم، وكل من لا ينهى عن المنكر فهو أبكم.
وسر إعراضهم: لأنهم توغلوا في الشر والخبث، والشرك والفساد، ومشوا فيه السنين الطويلة، ففسدت قلوبهم، وتغيرت طباعهم، وهبطوا وأصبحوا شر البرية، فمن هنا فهم لا يستجيبون.
وهذا هو الذي نقرره يا عباد الله! فمن زلت قدمه وسقط بأن قال كلمة سوء، أو نظر نظرة سوء، أو تناول درهماً محرماً، أو مشى خطوة باطلة فيجب عليه أن يبادر بالتوبة، ولا يتمهل أو ينتظر. وأنت بمجرد ما تعلم أنك عصيت الله أو رسوله فاستغفر الله وتب إليه على الفور، ولتكن كلك عزم على ألا تعود لهذه النظرة، أو هذه الكلمة الباطلة، أو هذه الحركة المحرمة، وإلا فيخشى عليك أن تتمادى حتى يأتي الختم والطبع، وعندئذ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23].
ولنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أذنب العبد ذنباً ) ذنباً صغير أو كبيراً، والذنب هو: ما يؤاخذ به ويؤخذ به، كما يؤخذ الحيوان من ذنبه. فإذا أذنب العبد ذنباً صغيراً أو كبيراً ( وقع نكتة سوداء على قلبه )، أي: نقطة سوداء، فإن هو تاب واستغفر وتراجع صقل ذلك المكان الأسود، وأزيل منه الأثر الأسود، فيبقى ناصعاً أبيض مشرقاً، وإن لم يتب وأذنب ذنباً آخر وقع إلى جنب تلك النكتة نكتة أخرى، وثانية وثالثة ورابعة، وبعد ذلك لا يقبل التوبة ولا يتوب، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]. ومعنى ران عليها: غطاها وغشاها، أي: ذنبهم الذي كانوا يكسبونه، ولهذا تناديه فلا يسمع، وتخوفه فلا يخاف، وتعظه فلا يتعظ؛ لأنه ميت.
فاذكر قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23]. ولكنه علم ألا خير فيهم؛ لأنهم توغلوا في الشر والفساد، والظلم والخبث، ولم يبقوا أهلاً أبداً لأن يعبدوا الله ويصبحوا من أوليائه، ولو فرضنا أنه أسمعهم وجعلهم يسمعون لتولوا وهم معرضون، ورجعوا عن دعوة الحق، ولم يقبلوها، ويعرضوا عنها.
إذاً: فلنحذر معاشر المستمعين والمستمعات! من التوغل في الإثم؛ خشية أن تطبع هذه القلوب بطابع، فنصبح لا نستطيع أن نعبد الله أبداً، بل نصبح إذا عرض علينا أن نصلي لم نقوى على ذلك، وإذا عرض علينا أن نغض أبصارنا لم نستطع، وإذا عرض علينا أن نمسك أسماعنا حتى لا نسمع الباطل لم نتلذذ إلا به. حتى أن أحدهم فيما روي مات وهو يغني، فبدل ما يقول: لا إله إلا الله مات وهو يقول: يا ليلى! وسلمى! فلاستمراره طبع على قلبه والعياذ بالله.
ينادي الله تعالى عباده المؤمنين الذين آمنوا به وبرسوله، وصدقوا بوعده ووعيده يوم لقائه ] وهناك وعد وهناك وعيد، والفرق بين الوعد والوعيد يا أهل العلم!: أن الوعد يكون بما هو خير، والوعيد بما هو شر.
ويوم لقاء الله يوم القيامة، لما نبعث من قبورنا، فنلقى الله عز وجل.
قال: [ فيأمرهم بطاعته وطاعة رسوله، وينهاهم عن الإعراض عنه، وهم يسمعون الآيات تتلى، والعظات تتوالى في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن نصركم وتأييدكم كان ثمرة لإيمانكم وطاعتكم، فإن أنتم أعرضتم وعصيتم فتركتم كل ولاية لله تعالى لكم أصبحتم كغيركم من أهل الكفر والعصيان ] وهذا يتناولنا واحداً واحداً، فهذا هو واقعنا [ هذا معنى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20]. وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]. ينهاهم عز وجل ] لأنه قال: وَلا تَكُونُوا [الأنفال:21]. وهذا نهي [ أن يسلكوا مسلك الكافرين المشركين في التصامم عن سماع الآيات الحاملة للحق والداعية إليه، والتعامي عن رؤية آيات الله الدالة على توحيده، الذين قالوا: إنا عما يقوله محمد في صمم، وفيما يذكر ويشير إليه في عمى ] لا نبصر. وقد قالوا هذا بالفعل [ فهم يقولون: سمعنا بآذاننا، وهم لا يسمعون بقلوبهم؛ لأنهم لا يتدبرون ولا يفكرون؛ فلذا هم في سماعهم كمن لم يسمع، إذ العبرة بالسماع الانتفاع به، لا مجرد سماع صوت.
وقوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [الأنفال:22] يعني بهم المشركين، وكانوا شر الدواب؛ لأنهم كفروا بربهم، وأشركوا به، فعبدوا غيره، وضلوا عن سبيله، ففسقوا وظلموا وأجرموا، الأمر الذي جعلهم حقاً شر الدواب في الأرض. فهذا تنديد بالمشركين، وفي نفس الوقت هو تحذير للمؤمنين من معصية الله ورسوله، والإعراض عن كتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23] أي: لجعلهم يسمعون آيات الله، وما تحمله من بشارة ونذارة. وهذا من باب الفرض؛ لقوله تعالى: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23]. هؤلاء طائفة ] أي: جماعة [ من المشركين توغلوا في الشر والفساد، والظلم والكبر والعناد، فحرموا لذلك هداية الله تعالى، فقد هلك بعضهم في بدر، وبعض في أحد، ولم يؤمنوا؛ لعلم الله تعالى أنه لا خير فيهم، وكيف لا وهو خالقهم وخالق طباعهم: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] ] بلى.
[ من هداية الآيات:
أولاً ] واسمعوا: [ وجوب طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما، وحرمة معصيتهما ] وقد أخذنا هذا من قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ [الأنفال:20] ... الآية.
[ ثانياً: حرمة التشبه بالمشركين والكافرين وسائر أهل الضلال، وفي كل شيء من سلوكهم ] كما قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ [الأنفال:21].
وبلغوا عنا: أن الذين يستوردون البرانيط في هذه المملكة الطاهرة ويبيعونها أو يهدونها لأولاد المسلمين ليشروا بأنهم هالكون، إلا أن يتوب الله عليهم، فيرمون بتلك الأوساخ بعيداً، ويتصلون بمن يرسلها إليهم ألا يرسل إليهم هذه البرانيط؛ لأنهم مسلمون، وليسوا بيهود ولا نصارى، والعياذ بالله. وها نحن نشاهد الآن أحد أولاد المسلمين أو الشباب في الدكان والبرنيطة على رأسه، وهو يبيع ويشتري، فليرغب بنفسه أن يكون يهودياً، وليكره أن تكون نصرانياً، ولا يكره ما كان عليه رسول الله، ولكن الشياطين تعبث بهم. وهذه نتيجة جهلهم، وبعدهم عن الله وعن مواعظه، وعن رسول الله وهدايته. ولو كانوا يجلسون هنا ويسمعون ولو مرة في الأسبوع فوالله إنهم لا يقدرون على أن يفعلوا هذا الباطل. وترى الرجل يده في يد ابنه والبرنيطة على رأس ابنه، وهو يتبجح كاليهود. وهذا أمر محزن مؤسف يمزق القلب. ولو كان في لندن أو باريس لقلنا: إنه يتملقهم؛ حتى لا يؤذوه، لكن هذا يحدث في مدينة الرسول تحت راية لا إله إلا الله، وهو لا يتملق اليهود والنصارى. فقد عميت القلوب. فبلغوا هذا.
وقد قالوا: إن أصحاب التجارة يستوردونها مجاناً، ويعطونها مجاناً أحياناً، ويبيعونها أحياناً. ولقد سبق منذ ثلاثين سنة أو أقل أو أكثر والله أعلم أن استوردنا الباروكات -لابروك بالفرنسية- وهو الشعر الصناعي، واستورده التجار الفجار حول المسجد النبوي، وكانوا يبيعون الباروكة بعشرة ريالات، وفي فرنسا تباع بمائة ريال مع أنها تصنع هناك، وتباع في المدينة عند المسجد النبوي بعشرة ريالات. السر في هذا: أنهم يريدون أن يفسقوا ويفجروا المسلمين ويكفروهم، ونحن نمد أعناقنا كالإبل ونمشي. ولكن الحمد لله فقد صرخنا وبكينا مثل هذا البكاء، وتحركت الهيئة وطاردتهم ومزقتهم، ولم يعد أحد يستورد باروكة ويبيعها. ونود من الهيئة أن تغضب هذه الغضبة، وأن تأخذ البرنيطة من كل من هي على رأسه برنيطة، وتضرب بها على الأرض.
[ ثالثاً: بيان أن من الناس من هو شر من الكلاب والخنازير، فضلاً عن الإبل والبقر والغنم. أولئك البعض كفروا وظلموا، لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137] ].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر