إسلام ويب

تفسير سورة الإسراء (22)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن القرآن الكريم فيه هداية المؤمنين، وشفاء قلوبهم وأرواحهم، وتطبيق تعاليمه يورث المؤمنين الطمأنينة والرحمة، بعكس من يكفر به ويعرض عنه فإنه لا ينتفع به، وإنما يخسر خسارة في الدنيا بالإعراض وظلمة القلب والروح، وخسارة في الأخرى بدخوله في سخط الله واستحقاقه لعذابه، والله عز وجل هو العليم بمن استحق الهداية من عباده فينجو ويسعد، ومن استحق الغواية فيهوي ويبأس.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ما زلنا مع سورة الإسراء، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونتعلم.

    أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا * وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا [الإسراء:78-84].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

    هذه الآيات يخاطب فيها الرب تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، اسمعوا ما يقول لكم: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78] أي: أقم الصلاة صلاة الصبح وصلاة الظهر وصلاة العصر والمغرب والعشاء، تضمنت الآية الأوقات الخمسة أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78] ميلانها إلى الغرب إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78] فهناك الظهر والعصر، وغسق الليل: المغرب والعشاء وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78] أي: صلاة الصبح.

    وقوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] من يشهده؟ من يحضره؟ الملائكة للحديث الصحيح: ( يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار )، الذين يبيتون معك يسلمون العمل للذين يأتون مع صلاة الصبح ويكتب الكاتبون إلى العصر، ويأتي ملائكة الليل من العصر إلى الصبح، هذا معنى (مشهوداً) محضور من الملائكة.

    وقوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] التهجد: هو قيام الليل، إزالة الهجود الذي هو النوم، وهذا من سنن الإسلام وفضائل الأعمال للمؤمنين والمؤمنات، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجبه الله عليه، فكان يتهجد ولا بد بخلاف الأمة، ومن استطاع ومن تهجد أثيب وأجر على ذلك، ومن لم يفعل لا إثم عليه، دل على هذا قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] أنت يا رسولنا.

    ثم بشره بقوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] وعسى تفيد الوجوب، بمعنى: اعلم أن الله تعالى سيعطيك مقابل تهجدك وقيامك موقفاً محموداً يحمدك عليه أهل الموقف كلهم، ألا وهو الشفاعة العظمى، وبينا كيف يصل إلى تلك الشفاعة، ويقول: أنا لها.. أنا لها، ويخر ساجداً بين يدي الله؛ فيلهم بمحامد يحمد الله بها، فيقول له الرب تعالى: ( ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع ).

    هذا الذي دل عليه قوله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] أين هذا المقام المحمود؟ في عرصات القيامة.. في ساحة فصل القضاء يوم القيامة.

    ويقول له: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء:80] يعلمه كيف يدعو ربه، ادع محمد بهذا الدعاء: رب أدخلني مدخل صدق، ألا وهو المدينة، وقد دخلها في أمان وسلام، وفي حالة من أسعد الحالات.

    وَأَخْرِجْنِي [الإسراء:80] أي: من مكة التي ضايقني أهلها وحاصروني وحكموا بإعدامي.. أخرجني منها مخرج صدق، فخرج منها على أحسن ما يكون، علمه الدعاء ليدعوه ليعطيه، بشريات عجيبة!

    ثم قال له: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء:80] أي: أعطني منك قوة وإرادة وسلطاناً ننتصر به على المشركين، وما هي إلا ثماني سنوات حتى دخل مكة في رحمة الله، غزاها رسول الله وفتحها الله عليه، استجابة لهذا الدعاء وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا [الإسراء:80] فأعطاه الله قوة ونصراً على المشركين أجمعين.

    ثم قال له: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] بشرى بأن الأصنام تتهشم وتتحطم، والشرك ينتهي، لما دخل مكة برجاله عام الفتح كسر الأصنام بحربة في يده، وهي ثلاثمائة وستون صنماً معدوداً من أحجار وأخشاب، وهو يتلو هذه الآية: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] (زهوقاً) بمعنى: يضمحل ويتلاشى ويهرب، ما يقوى، وإلى الآن إذا تلاقى الحق مع الباطل انتصر الحق على الباطل.. جدال بين اثنين هذا يجادل بالباطل وهذا بالحق، والله لينتصر صاحب الحق إلى يوم القيامة.

    وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81] دائماً وأبداً على شرط أن يصاوله الحق، أما إذا خلا من الحق هو صايل وهايش ومنكسر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088535609

    عدد مرات الحفظ

    777187906