إسلام ويب

تفسير سورة مريم (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله عز وجل هنا حال نبيه زكريا عليه السلام، وأن خبره مما أوحاه الله عز وجل إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من القصص، وفيه أنه عليه السلام لما كبرت سنه ورق عظمه دعا ربه سبحانه وتعالى أن يرزقه ولداً صالحاً تقياً من صلبه، يرث علمه وعلم من سبقه من أجل أن يستمر في طريق الدعوة، فاستجاب الله دعاءه ووهبه يحيى عليه السلام سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس -إن شاء الله- كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن الليلة مع سورة مريم المكية، والسورة المكية -كما قد علمتم وأيقنتم- أنها تعالج العقيدة؛ بإيجادها وتقويتها وإصلاحها إذا داخلها فساد، وتقرر أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الدار الآخرة حق، وما يتم فيها من جزاء على الكسب في هذه الدنيا هو حق كذلك.

    فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم:1-7].

    أقوال المفسرين في الحروف المقطعة أوائل بعض السور ومنها قوله تعالى: (كهيعص)

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهان أهل الدرس والملازمين له أن هذه السورة: كهيعص [مريم:1]، هي كباقي السور المفتتحة بالحروف المقطعة، مثل: طسم [الشعراء:1]، و حم [الأحقاف:1]، و عسق [الشورى:2]، و الم [آل عمران:1]، و يس [يس:1]، و طه [طه:1]، و طس [النمل:1]، وهذه الحروف المقطعة -كما علمتم- فيها ثلاثة أقوال، وهي أصح ما تسمعون أو تقرءون:

    القول الأول: استئثار الله تعالى بعلمه دون غيره

    القول الأول والذي عليه يعول: أن هذا مما استأثر الله تعالى بعلمه، فليس لأحد من الخلق أن يعلمه، فلا يقوى أحد على معرفته، فقوله تعالى: كهيعص [مريم:1]، وكذلك قوله تعالى: طسم [الشعراء:1] نقول: الله أعلم بمراده به، وهذا أسلم للعبد.

    القول الثاني: لفت انتباه الممتنعين عن سماع القرآن من مشركي مكة

    القول الثاني: لما كان العرب يحاربون من يسمع القرآن وأعني أهل مكة في مكة، فقد كانوا لا يسمحون لأحد في مكة أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ، أو من أبي بكر أو عمر حال قراءتهما؛ إذ حكى الله تعالى عنهم هذا القول في كتابه، فقال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، فهكذا كان زعماء وكبراء العرب في مكة لا يسمحون لأحد أن يسمع القرآن؛ خشية أن يفسد عقيدته، أو يفسد عقله ويذهب عنه دينه، والآن الكفار والمشركون يقولون هذا.

    إذاً: فجاء الله تعالى بهذه الحروف التي ما عهدوها في لغتهم، ولا سمعوا أحداً ينطق بها قط، فكانوا إذاً مضطرين إلى أن يلقوا بسمعهم ويسمعون إلى قوله تعالى: طسم [الشعراء:1]، فإن سمعوها سمعوا بعدها: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [الشعراء:2]، وعند سماعهم تدخل أنوار القرآن في قلوبهم، وعلى هذا آمنوا ودخلوا في الإسلام إلا من شاء الله.

    القول الثالث: الحروف المقطعة أصل تركيب القرآن الكريم

    القول الثالث: أن هذه الحروف المقطعة: (طسم)، (الم) تركب منها القرآن العظيم، فالله عز وجل تحداهم هم والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا وما استطاعوا، فكان هذا القرآن هو كلام الله ووحيه.

    فقد تحداهم الله عز وجل بعشر سور، كما جاء في سورة هود فقال: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13]، أي: هاتوا عشر سور مفتتحة بهذه الحروف، وأخيراً تحداهم بسورة واحدة، فقال تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:23]، فالقرآن الكريم مركب من هذه الحروف، وهذه الحروف تنطقون بها رجالاً ونساءً وأطفالاً، وكل عربي ينطق بالطاء والسين واللام والكاف والهاء، فمن تحداهم الله عز وجل عجزوا أن يكونوا أو يركبوا منها كلاماً ككلامه سبحانه، فتبين أن القرآن كلام الله عز وجل ووحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس من كلام البشر في شيء، ولم تستطع البشرية مهما تعاونت أن تأتي بمثله، فقد مضى ألف وأربعمائة سنة وتسعة عشر وإلى الآن ما استطاعوا؛ لأن الله قال: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا [النساء:129].

    وهكذا نفهم فواتح السور هذه من هذه الأقوال الثلاثة، أما أن نقول: (ك) بمعنى: الله كريم أو كافي، أو نقول: (ه‍(، بمعنى: هادي، أو (ع) بمعنى: عليم، أو (ص) بمعنى: صادق، فهذا كله مذكور في التفاسير ولكن لا قيمة له، حتى في تفسير ابن جرير لكن لا يعول عليه، يذكر ما يقولون.

    إذاً: كهيعص [مريم:1]، يروون عن علي كان يقول كهيعص [مريم:1]: افعل بكذا وكذا.. يقول: اسم الله، ولكن ما يصح، فـعلي ليس أجهل الناس حتى يقول هذا اسم الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088571849

    عدد مرات الحفظ

    777400895