إسلام ويب

تفسير سورة مريم (14)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من فرط جهل الكافرين وضلالتهم أنهم اتخذوا لهم آلهة من دون الله، يعبدونها بأنواع العبادات ليكونوا لهم شفعاء عند الله عز وجل، فهؤلاء الآلهة سيكفرون بعبادتهم ويكونون خصوماً لهم بين يدي الله، ولا عجب من مسارعة هؤلاء الكافرين في الباطل والشر والفساد؛ لأنهم قد سلط عليهم شياطين الجن والإنس تحثهم على ذلك وتحملهم عليه.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس -إن شاء الله- كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    هانحن مع سورة مريم عليها السلام، وها نحن مع هذه الآيات نسمع تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا * أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا * يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:77-87].

    سبب نزول قوله تعالى: (أفرأيت الذي كفر بآياتنا...) إلى قوله تعالى: (ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً)

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا [مريم:80]، هذه الآيات الأربع نزلت في العاص بن وائل المكنى بـأبي عمرو ، وسبب نزولها أن هناك عبداً صالحاً مؤمناً تقياً، ألا وهو خباب بن الأرت وكان قيناً أي: حداداً في مكة، فاشتغل للعاص أشغالاً وما أعطاه ثمنها، فجاء يطالبه، قال: لن أعطيك درهماً حتى تكفر بمحمد، فقال له خباب بن الأرت : يوم تموت وتبعث حياً ثم تعطيني، أي: يوم تموت وتبعث حياً يومها سآخذ حقي، وهو كذلك. فقال: وإذا مت وبعثت هل سيكون لي مال وولد حتى أعطيك؟!

    فقال: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [مريم:77]، وأعطيك يومئذٍ ما لك علي، فأنزل الله تعالى قوله: أَفَرَأَيْتَ [مريم:77] أي: يا رسولنا! الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا [مريم:77] أي: كفر بالقرآن الكريم وما يحوي من الشرائع والأحكام، وما يدعو إليه من التوحيد، وما يقر من نبوة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما فيه من الهداية، أي: كفر بآياتنا الواضحة البينة، وتنكر لها وجحدها الطاغية العاص بن وائل وقال متبجحاً: لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [مريم:77]، إذا مت وبعثت سأعطى المال والولد، كما عندي اليوم عندي غداً، اغتراراً وانخداعاً، قال: ما دمت أنا الآن أملك المال والولد وأنتم لا تملكون شيئاً. إذاً: إذا بعثنا نكون أكثر مالاً وولداً، وهذه عبارته بالحرف الواحد، وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [مريم:77].

    فرد تعالى الله تعالى بقوله: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ [مريم:78]، أي: كيف علم هذا؟ هل نظر إلى اللوح المحفوظ؟ وهل علم علماً خاصاً؟ فكيف عرف أنه سيكون له المال والولد، أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:78] أي: هل واعده الله بأن يعطيه، اللهم لا ذا ولا ذاك.

    ثم قال تعالى: كَلَّا [مريم:79]، أي: لا علم الغيب ولا عرف ولا واعده الله بشيء.

    سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ [مريم:79]، أي: ما يقول من هذا التبجح، وهذا الباطل، وهذا الكفر، وهذا الكلام الفاسد، سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم:79] أي: ونزيده، سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم:79]، فليقل ما شاء أن يقول، وليقل الكفر، وليقل كذا: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [مريم:79]، مقابل شدة الكفر والباطل والشر والفساد.

    وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [مريم:80]، أي: الذي يقوله وهو المال والولد والمتاع، نحن نرثه، وسيجد نفسه لا مال له ولا ولد بل فرداً.

    وَنَرِثُهُ [مريم:80]، أي: الذي سيرثه هو الله، ولن يبقي له ولداً أو مالاً يوم القيامة.

    أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا [مريم:77]، تبجحاً وكلاماً باطلاً. أَطَّلَعَ الْغَيْبَ [مريم:78] حتى عرف هذا، أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم:78] ووعده الله وأعطاه هذا؟

    الجواب: كَلَّا [مريم:79]، لا لا.. أبداً. إذاً: سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ [مريم:79]، من هذا الكلام الباطل وهذا الكفر والكذب، وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [مريم:79-80]، الذي (لَأُوتَيَنَّ)، ما نبقي له مال ولا ولد ونبعثه حافياً عارياً وحده ومن ثم يتم العذاب ونقمة الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088516223

    عدد مرات الحفظ

    777066300