إسلام ويب

تفسير سورة مريم (9)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأنبياء الكرام الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، والذي نبأه الله عز وجل في مكة المكرمة حيث كان يعيش مع أصهاره من قبيلة جرهم، ومن الأنبياء إدريس عليه السلام، الذي أكرمه الله تعالى بمرتبة الصديقية والنبوة، وهو ممن رفعه الله عز وجل إلى السماء في حياته كمحمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس -إن شاء الله- كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن مع سورة مريم عليها السلام، وها نحن مع هذه الآيات نسمع تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم:54-58].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من أين لمحمد صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأنباء والإخبار؟ فوالله إنه لرسول الله، وكيف يكفر به الكافرون؟! وما زالوا إلى الآن يكفرون به من يهود ونصارى ومجوس ومشركين، قد يقول القائل: ما قرئ عليهم هذا، ما بلغهم، نقول: نعم، لبعضهم، أما البعض الآخر علموا وسمعوا وعرفوا وأعرضوا واستكبروا، لكن ينبغي أن يبلغوا، فلما بلغهم رسول الله وأصحابه دخلوا في الإسلام ووحدوا الله من إندونيسيا إلى أقصى الشرق، إلى ما وراء نهر السند، والآن ليس هناك من يبلغ إلا القليل، فلهذا لا يدخل في الإسلام إلا القليل، ولكن نسبة الدخول قليلة، سببها: ما حملت الأمة الإسلامية رسالتها وقدمتها لهم كما فعل سلفنا الصالح في القرون الذهبية الثلاثة.

    قال تعالى: وَاذْكُرْ [مريم:54] أي: اذكر يا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم الذي نزل عليك، وهو بين يديك وهو شاهد أنه لا إله إلا الله وأنك رسول الله، أي: اذكر في الكتاب إسماعيل.

    تقدم ذكر زكريا ويحيى وعيسى ومريم وإبراهيم وموسى، والآن إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وهذا ابن هاجر القبطية المصرية، وهو الذي قال له أبوه: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102] ووفى حتى وضعه على الأرض، فكان إذاً وفياً.

    نشأ إسماعيل عليه السلام في مكة بعد أن ولد في القدس وحملته أمه إلى مكة فنشأ وتربى فيها، وأرسل ونبئ فيها بعدما بنيت الكعبة وعاش في قبيلة جرهم يأمرهم بالصلاة والزكاة، وكلمة إسماعيل كعبد الله أو عبد الرحمن، مثل إسرائيل، عزرائيل، ميكائيل، جبريل، كعبد الله وعبد الرحمن.

    وإسماعيل أمه قبطية جارية تسراها إبراهيم حيث وهبتها له سارة بنت عمه وزوجته؛ لأن ملك مصر أهداها لـسارة عندما شاهد الكرامات الإلهية فأكرمها وقال: خذوا عني وسمعها وأعطاها هاجر ، تفضلت بها هي على إبراهيم؛ لأنه ما أنجب منها ولا أنجبت منه، فأنجب منها ومن ثم كربت سارة وتألمت، فأعطاها الله إسحاق، وسبحان الله العظيم! لا تبكي يعوضك الله عز وجل، وإن كان ذلك العطاء إكراماً لإبراهيم حيث وفى لله بذبح ولده إسماعيل، أكرمه بإسحاق.

    فضيلة الوفاء بالوعد والصدق في القول والعمل

    قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ [مريم:54] أي: اذكر إسماعيل في القرآن العظيم، إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، أي: اذكره لأنه كان صادق الوعد، إذا وعد يفي ولا يخلف، وهناك آثاراً عن بني إسرائيل أنه وفى بوعده سنة كاملة، ولا عجب فأنت تستطيع أن تعد شخصاً في بلد تقول له: ما نخرج حتى تأتيني، أنا مقيم هنا، لكن لو صح وثبت أنه ثلاثة أيام، وذلك الذي حصل لحفيده الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، إذ مكث ثلاثة أيام في مكان ينتظر من واعده بالحضور هناك، وإسماعيل كذلك.

    ومن هنا يجب أن نفي بالوعد؛ لأننا أتباعهم ونحن ملتهم من رجالهم، ومن أمتهم، فلنفعل كما يفعلون، وإنما قد تعد وتعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، تعد ثم ترى في وعدك ضرراً يصيبك أو يصيب هذا الأخ تعتذر له ولا حرج، أما إذا كان لا ضرر فيه يتبعك أو يتبعك من وعدته ينبغي الوفاء بالوعد، فنبينا صلى الله عليه وسلم انتظر ابن الحمساء ثلاثة أيام في مكان واحد قبل أن يبعث، وقبل أن ينبأ، ومعنى هذا من شعارنا نحن أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومحبي الأنبياء أننا نفي بالوعد ما قدرنا على ذلك، ولا نخلف الوعد، ومن آيات النفاق وعلاماته خلف الوعد: ( وإذا واعد أخلف ).

    ولهذا أمة الإسلام لا تخون كما يخون غيرهم، ولكن مع الأسف أصبح الكفار لا يخلفون ونحن نخلف، وهذا الذي شاع، فيقال: وعد بريطاني، ووعد فرنسي.. وهكذا، فقد كنا في علاء السماء وهبطنا إلى الأرض، هل هذا شأننا، وما سبب ذلك؟

    النور الذي كنا نعيش عليه أبعدوه عنا وأبعدونا عنه، فكان الظلام، فكيف سيمشي الذي في الظلام؟

    ولا عودة إلا إذا عدنا في صدق إلى كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا تقل: تريد أن ننكث عن الدنيا ونعتزل! لا، اشتغلوا من صلاة الصبح إلى قبل غروب الشمس، ما يكفي في المزرعة والمصنع والمكتب؟ فإذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب توقف عن العمل، وهذا نظام حياتنا نحن المسلمين، والكافرون الذين هم نقتدي بهم في أكثر أعمالنا إذا دقت الساعة السادسة توقفوا عن العمل، وحملوا أطفالهم ونساءهم إلى دور السينما والمراقص والمقاصف والله العظيم! ونحن نعجز أن نحمل أطفالنا ونساءنا إلى بيوت ربنا ساعة ونصف كل ليلة، نتعلم الكتاب والحكمة، فلا طريق لنجاة هذه الأمة إلا بهذه العودة الحميدة، وخلال سنة واحدة وأهل القرية أو الحي يصبحون كأنهم أصحاب رسول الله في الصدق والوفاء والطهر والصفاء، والعز والكرامة.. وغيرها من صفات الكمال، وغير هذا هيهات هيهات أن نظفر بما نريد.

    قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54] أي: امتدحه الله وأثنى عليه بصدق وعده، فكيف لا نصدق نحن وعودنا، وهذا ثناء على الله، وتذكره في الكتاب؛ لأنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً، وبالأمس علمتم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، وهذا قاعدة عامة، وهذا فاز بالرسالة والنبوة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522088

    عدد مرات الحفظ

    777107767