إسلام ويب

تفسير سورة الحج (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في غزوة بدر وقبل التحام الجيشين خرج نفر من المشركين يطلبون المبارزة فخرج لهم ما يعادلهم من المؤمنين الصادقين، وقد أدال الله عز وجل فريق الإيمان على فريق الكفر والطغيان، وجاءت هذه الآيات واصفة حال الفريقين، ومآل كل فريق منهم يوم القيامة، فالمؤمنون يدخلهم الله عز وجل في رحمته ويسكنهم جنته، وأما الكافرون فإنه يدخلهم النار، ويلبسهم لباساً من نار، ويأكلون من غسلين النار، ويشربون من حميم النار.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم والذي بعده ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الحج المكية المدنية، ومع هذه الآيات الخمس، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج:19-24].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا سبحانه وتعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ [الحج:19]، (هذان) مثنى واحدهما (هذا)، هَذَانِ خَصْمَانِ [الحج:19]، كل منهما يريد أن يخصم الثاني ويغلبه، فمن هما الخصمان؟ أولاً: الخصام في أي شيء كان؟ كان في بستان؟ في إبل؟ في غنم؟ بل كان في ربهم، فهذا يقول: ربي الله لا إله إلا هو ولا رب غيره ولا إله سواه، وهذا يقول: ربي صنم أو حجر، هذا يقول: ربي منزه عن كل عيب ونقص، وهذا يقول: ربي له زوجة وولد والعياذ بالله، هذا يقول: ربي سميع عليم قوي متين قدير، وذاك يصفه بالعجز أو الضعف، فالاختصام كان في الله عز وجل.

    هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19]، أي: في خالقهم ورازقهم ومالك أمرهم، وما كان أبداً للبشر أن تختصم في ربها، وما كان أبداً يجوز الاختصام في الله وهو رب الكل وسيد الجميع، لكن الشياطين تزين الكفر وتدعو إليه.

    فَالَّذِينَ كَفَرُوا [الحج:19]، فالذين كانوا يخاصمون في الله وينسبون إليه الصاحبة والولد، وينسبون إليه الشريك والمثيل، هؤلاء هم الذين كفروا بربهم، وهذا هو القسم الأول أو الخصم الأول، فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج:19]، وقال تعالى: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:50]، والسربال هو الثوب الطويل، والقطران في النار تأكله.

    إذاً: سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ [إبراهيم:50]، و قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج:19]، يستترون بها فيلبسونها ويغطون أجسامهم بها وهي والله لمن النار، وهذا أولاً.

    ثانياً: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج:19]، أي: الماء الحار الذي قد غلا وازداد غليانه فوق العادة، فيضرب رأسه بالمقمعة فينشق رأسه ويصب الماء الحار حتى يصهر البطن وكل ما فيه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088597030

    عدد مرات الحفظ

    777567254