إسلام ويب

تفسير سورة الحج (9)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وعد الله عز وجل عباده المؤمنين أن يدافع عنهم ضد أعدائهم من الكافرين الذين يحاربون دين الله، ويؤذون أولياءه، وقد كان المؤمنون في أول الأمر بمكة يتعرضون للأذى من كفار قريش دون أن يؤذن لهم بالقتال، فلما تحقق لهم من الاجتماع والإيمان واليقين ما يؤهلهم للقتال أذن لهم الله بذلك، حتى ترتفع راية دين الله الحق، ويأمن أهل الإيمان عند أداء شعائرهم من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل سائر العبادات.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الحج المكية المدنية، ومع هذه الآيات الأربع، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:38-41].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، هذا خبر من أخبار الله تعالى، إذ أخبرنا في كتابه القرآن الكريم بأنه يدافع عن الذين آمنوا، وهذا شأنه عز وجل، إذ يدفع عن الذين آمنوا ظلم الظالمين وكيد الكائدين ومكر الماكرين؛ لأن المؤمنين بحق وصدق هم أولياء الله تعالى، والله عز وجل يقول: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فإذا تحقق الإيمان الصادق وأصبح صاحبه مؤمناً حقاً فليعلم أن الله يدافع عنه والله العظيم، وهذا هو الخبر الأول.

    وأما الخبر الثاني فقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، والخوان هو كثير الخيانة والغدر والعياذ بالله، والكفور هو كثير الكفر، فقد كفر بالله وبكتابه وبرسوله وبلقائه وشرائعه وأحكامه، فجحدها وتنكر لها، فهذان شخصيتان الله يكرههما ولا يحبهما، ومن كرهه الله والله ما سعد ولا نجا ولا كمل، ومن لم يحبه الله والله ما كمل ولا سعد، فلنحذر أن نكون ممن لا يحبهم الله تعالى، من هم؟ أصحاب الخيانة والغدر والكذب والكفر والجحود لله ولنعمه، لله ولشرائعه، لله ولرسله، ومعنى هذا: يجب أن نوقن أن الله يدفع عنا، وقرئ في القراءات السبع: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا).

    وقيل: إن هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، نزلت في المؤمنين في مكة قبل الهجرة، وذلك عندما فكر بعضهم في أن يعملوا على اغتيال المشركين والغدر بهم وخيانتهم، فلم يسمح الله تعالى لهم بذلك؛ لأنهم عاجزون عن قتال الكافرين، وليس لهم دولة ولا سلطان ولا أمة، فكونهم يغتالون ويخدعون ويقتلون فإنهم يجلبون على أنفسهم البلاء أكثر، وهذا هو الذي فهمناه من كتاب الله تعالى، وقد قلنا لإخواننا المسلمين في الشرق والغرب: لستم أهلاً أبداً لأن تغتالوا وتقتلوا وتفجروا بحجة أنكم تريدون أن تكرموا الإسلام وشرائعه، فهذا غدر وخيانة وأمر باطل ولا يصح أبداً، إلا إذا التففتم حول رجل وبايعتموه علناً، والتفت حوله الأمة الإسلامية، فنعم حينئذٍ لهم أن يسقطوا أو يبعدوا الحاكم الذي لا يطبق شرع الله تعالى، وينصبوا الحاكم الذي تعهد لهم بتطبيق شرع الله تعالى، وهذه القضية سياسية، ولكن يجب أن نكون على بصيرة من ذلك، فالاغتيالات والتفجيرات والتكفير والسب والشتم ليس من شأننا أبداً، ولم يسمح الله تعالى لنا بها، فمن علموا أن الأمة معهم فليطلبوا الأمة أن تلتف حولهم، وأن تبايعهم، وأن يعلنوا عن دين الله وشرعه ودولته، وحينئذٍ إذا نازع الحاكم فلهم أن يسقطوه ويبعدوه.

    إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، والخوان هو كثير الخيانة، والخوان هو الغادر الذي يغدر، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إن الله ينصب يوم القيامة لكل غادر لواء يلصق بأسته على قدر غدره، ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان )، فيفضحه في العالم يوم القيامة، ولذا ليس من شأننا الغدر والخيانة أبداً، فإذا أردنا الجهاد بايعنا إمامنا، ووجدنا أنفسنا قادرين على الجهاد مستعدين له، وعند ذلك يقودنا إلى الجهاد، أما التفجيرات والاغتيالات والتكفير والسب والشتم والخيانة فهذا الذي عم العالم الإسلامي سنين، كل هذا ليس من الإسلام في شيء، ولن يحقق شيئاً، وقد مضت أكثر من أربعين سنة هل حققت شيئاً في أي بلد؟ لا والله، بل حقق البلاء والمحن والفتن.

    إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38]، هذه الآية نزلت في مكة حتى لا يقوم فلان وفلان باغتيال عمرو بن هشام أو عقبة بن أبي معيط فينتج عن ذلك فتن ويذبح المؤمنون ويقتلون، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاث عشرة سنة في مكة وهم يتلقون الضرب والعذاب والاستهزاء والسخرية، ومع هذا لم يأذن الله تعالى لهم بالقتال؛ لأنه لا يثمر شيئاً ولا ينتج إلا البلاء في هذه الفترة، فكونك تفجر سيارة أو طيارة لا تحقق إلا البلاء والعياذ بالله تعالى، فهل فهمتم هذا الكلام أو لا ؟

    إن هذا كلام الله بين أيدينا، ولذلك إذا أراد أهل إقليم أن يقيموا شرع الله تعالى فأولاً: أن يعملوا على توجيه الأمة إلى الإسلام حتى تصبح راغبة في تطبيقه وتنفيذه في أنفسها وفي أسرها، وحينئذٍ إذا ظهر الإصلاح وأصبح أهل البلاد مصلحين يسهل عليهم أن يبايعوا إماماً أو حاكماً لهم يطبق شرع الله فيهم، فيقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أما مجرد هذه المناورات والاغتيالات والخداع والسب والشتم والتكفير، فهذا باطل وليس من الإسلام في شيء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537372

    عدد مرات الحفظ

    777194878