إسلام ويب

تفسير سورة الفرقان (12)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن رسل الله عز وجل حين يكلفهم الله بأداء الرسالة فإنهم إنما يؤدون وظيفة شرفهم الله بها، وليس لهم في مقابل ذلك أجر دنيوي، وهذا ما وجه الله عز وجل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأمره في سبيل ذلك بالتوكل عليه سبحانه، وعدم الالتفات إلى أساليب المعرضين المكذبين من الاستهزاء والنفور، وتجاهل قدرة الله عز وجل ودلائل قوته وملكوته.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الفرقان فهيا بنا نصغي لتلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

    قال تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا * الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا * تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان:57-62].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، هذا أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم. أي: قل يا رسولنا، وقطعاً هو محمد صلى الله عليه وسلم.

    قُلْ [الفرقان:57] يا رسولنا للمشركين في مكة وفي غيرها مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ [الفرقان:57]، أي: على هذا البلاغ وهذا البيان للدين مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: عوضاً من المال، لا أطلبكم بدخولكم في الإسلام مالاً مقابل قبولكم للإسلام ودخولكم فيه.

    قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: على الدين.

    وهنا الدعاة الذين يدعون إلى الله لا يجوز لهم أن يأخذوا ممن يدعونهم مقابل دعوتهم أجراً لا يومياً ولا شهرياً، فالداعي الذي يوجه الناس يدعوهم إلى الله، يبلغهم رسالة الله، لا يقول لهم: ادفعوا لي أجراً سنوياً أو شهرياً مقابل دعوتي، إذ هذا الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57]، أي: على إبلاغي هذه الدعوة التي تقوم على التوحيد وعبادة الله وحده.

    وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57]، أي: من شاء أن يتقرب إلى الله ويتوسل إليه بالإنفاق فلينفق في سبيل الله على الفقراء والمساكين، على المرابطين والمجاهدين، فهذا لا بأس.

    إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57]، أي: طريقاً يصل بها إلى رضا الله والنزول بجواره في الملكوت الأعلى، من أراد ذلك فلينفق في سبيل الله، أما أنا فأدعوكم إلى الله ولا آخذ أجراً على دعوتي إياكم.

    ويبقى أن نقول: إذا كان هناك أوقاف موقوفة على علماء واعظين مرشدين فالوقف يأخذه من وقف عليه ولا حرج.

    أو كان هناك راتب حكومي كما هو الواقع اليوم تدفعه للمدرسين والمعلمين والأئمة، فلا حرج أيضاً، لكن الحرج والضيق والممنوع، أن تقول للأفراد: أعطوني مقابل ما أدعوكم عليه.

    قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57] قل أو كثر إلا من شاء أن ينفق في سبيل الله فلينفق، فباب الله مفتوح، والله يتقبل من عباده المؤمنين ويثيبهم على ما ينفقون. هذا معنى قوله تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [الفرقان:57]، فليفعل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089201780

    عدد مرات الحفظ

    782725720