إسلام ويب

تفسير سورة الأعلى (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اشتملت الآيات الأولى من سورة الأعلى على جملة من الظواهر الكونية المتنوعة ابتداءً بخلق الإنسان، ووضع المقادير، وهداية كل مخلوق بحسبه، وإخراج المرعى، وتبديل الخلق بخلق غيره على مدى السنين والأعوام، ألا يدل هذا كله على ربوبية الله وحده واستحقاقه التنزيه الكامل.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا الليلة لسورة مباركة ميمونة، إنها سورة الأعلى جل جلاله وعظم سلطانه، والسورة مكية تعالج العقيدة، وآيها تسع عشرة آية.

    وتلاوة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى:1-19].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لما نزلت هذه السورة بعد فرضية الصلاة ومشروعيتها قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( اجعلوها في سجودكم ) أي: من سجد في فريضة أو نافلة فليقل: سبحان ربي الأعلى.. ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً بحسب حالك، لكن لا تقل التسبيحات عن ثلاث، وإياك أن يهزأ منك العدو وتسبح بكلمات لا معنى لها كأن يقول: هو هو. وإنما تقول: سبحان ربي الأعلى.. أخرجها من فؤادك حارة تراعي معناها وتشاهد آثارها.

    وأيضاً بعد مشروعية الصلاة نزل قول الله تعالى من سورة الواقعة المكية: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( اجعلوها في ركوعكم ). فمن ركع في نافلة أو فريضة فليقل: سبحان ربي العظيم.. إن شاء ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة إلا أن يكون إماماً يصلي بغيره فإن السنة أن يخفف ولا يطل عليهم. وليس معنى هذا أنه لا يسبح، وإنما المقصود أن يكتفي بـ(سبحان ربي العظيم) ثلاث مرات.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة، وسبب حبه لها: أنه نزل فيها قول الله تعالى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] فهي بشرى تفرح بها نفس المؤمن، فما إن أخبر بهذا الخبر وأعطي هذا الوعد الصادق: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] حتى أثلج صدر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرح، وكان يصلي بها أحياناً في اليوم ثلاث مرات، فقد كان يصلي بها العيد والجمعة والشفع، وغالب الأيام يصلي بها الشفع. هذه هي سورة الأعلى جل جلاله وعظم سلطانه.

    ومن هنا انفعل لها وأصبح صلى الله عليه وسلم لا يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، فتخبر عنه أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها وأرضاها فتقول: ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ). فاقتدوا بنبيكم إن أردتم النجاة.

    اختر أيسر الأمور، لا أصعبها ولا أشدها ولا أقساها، فليس هناك حاجة إلى ذلك، فإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.

    وحسبك أن تفهم أن الله بشر نبيه بهذه البشرى: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] فكان يحب هذه السورة لما حملته إليه من هذه البشرى العظيمة.

    والذين لم يعرفوا الهدي المحمدي يرتكبون صعاب الأمور، وأحياناً يتمزقون ولا ينتجون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما كان اليسر في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه ) ومن وصاياه وتعاليمه لرجاله عندما يبعث بهم إلى الأقاليم قضاة أو دعاة يقول لهم: ( يسروا ولا تعسروا ). يا معاذ! يا فلان! يا فلان! ( يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ).

    فهل أخذنا بهذا؟ ما أخذنا، ما عرفناه حتى نأخذه، وما رأينا من أخذ به فنقتدي به، فقد ضاعت موازين الحياة عندنا بسبب الجهل.

    وقال صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثتم مبشرين لا منفرين ). هذا يقوله لرجاله الذين يبعث بهم ليحكموا الناس ويسودوهم، وكما قالت عائشة رضي الله عنها: ( ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ).

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524452

    عدد مرات الحفظ

    777123299