إسلام ويب

تفسير سورة الطارق (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أقسم الله تعالى في أول سورة الطارق بالسماء والطارق، وهو النجم المضيء المتلألئ في السماء، أقسم على أن كل نفس منفوسة عليها حافظ من الملائكة الكرام الكاتبين يحفظ عليها أعمالها ويكتبها لتجازى بها يوم القيامة، وقد ذكر الله تعالى هذا الأمر وأكده بأن أمر الإنسان أن ينظر ويتفكر فيما خلق منه، فإن الذي خلقه وأوجده أول مرة من العدم قادر على أن يعيده بعد أن يموت حياً كما كان، وذلك يوم القيامة؛ ليجازيه على عمله في الدنيا، في ذلك اليوم الذي لا ناصر فيه ولا معين لأحد إلا الله سبحانه وتعالى.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا الليلة هي سورة الطارق، وإنها لسورة مباركة ميمونة.

    وتلاوة هذه السورة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:1-17].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! السورة مكية، وآيها سبع عشرة آية.

    ومعنى مكية: أنها نزلت في مكة. وتقابلها المدنية وهي التي نزلت في المدينة.

    ولك أن تقول: ما نزل قبل الهجرة مكي، وما نزل بعد الهجرة مدني. إذ من السور ما نزل ما بين مكة والمدينة كسورة الفتح.

    ولكن السر في معرفة المدني من المكي والمكي من المدني هو ما علمه المستمعون والمستمعات، وهو: أن المكية تعالج العقيدة، إذ لم يشرع من الشرائع والأحكام في مكة سوى الصلاة في السنة العاشرة، وتلك السنين كان الظرف لنزول القرآن الكريم الذي يوجد العقيدة السليمة الصحيحة.

    فمن هنا السور المكية تعالج العقيدة في أعظم أركانها:

    أولاً: التوحيد.

    ثانياً: النبوة.

    ثالثاً: البعث الآخر.

    فعامة السور المكية تدور حول هذه القواعد الإيمانية، فإن كانت العقيدة موجودة قوتها وزادت في إشراقها ونورها، وإن كانت ضعيفة قوتها، وإن كانت دخيلة صححتها وطيبتها.

    إذاً: هذه السورة مكية.

    وقد أخرج هذا ابن كثير في تفسيره عن الإمام أحمد ، بل عن ولد أحمد : أن أحد الرجال من المشركين كان في شرق الطائف ورأى النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً على عصا في يده ويتلو هذه السورة: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1] قال: فوعيتها، وكان الرجل مشركاً، والرسول ذهب إلى الطائف يطلب النصر لدينه، يبحث عمن ينصره من رجالات ثقيف؛ لأنهم أقوياء يرهبهم القرشيون. ومع الأسف لم يحصل على شيء.

    والشاهد قال: سمعته وهو على عصا في يده يقرأ: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1] قال: فوعيتها، وكان هناك رجال من قريش فاستدعوني وقالوا: ماذا سمعت؟ قال: فقرأت عليهم سورة الطارق كما هي، فقالوا: دعك من هذا الرجل، لو كان على حق لكنا أولى باتباعه. وتركوه.

    والذي يلفت النظر أن الذي يسمعها مرة فقط يحفظها، نعم. ولا عجب، نحن أيضاً أيام هبوطنا مع الأسف الشاب منا يسمع أغنية من عاهرة أو من ماجن فيحفظها بالجرس واللحن الخاص.

    أظن هذا ثبت عندكم؟ نعم. يسمع أغنية لعاهرة يعيدها بنغمها وجرسها، فلا عجب.

    وأم الفضل امرأة العباس سمعت الرسول يقرأ بسورة المرسلات في صلاة المغرب فحفظتها، وهذا شأن الطالعين الصاعدين لا يقف في وجههم شيء.

    أما الهابطون فهذه حالهم، أيام كنا طالعين يسمع الرجل القصيدة والكلمة والحكمة يقبلها، وإذا سمع باطلاً أو كذباً لا يقبله، فمتى نراجع الطريق إن شاء الله؟ إنا لعائدون. إذاً: هيا ندرس هذه الآيات:

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524852

    عدد مرات الحفظ

    777126910