إسلام ويب

تفسير سورة المطففين (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان أول أمر الإسلام أن أهل الكفر والإعراض إذا مروا بالمسلمين المستضعفين سخروا منهم، وضحكوا من عبادتهم، وسفهوا منهجهم وعقيدتهم، فكان الجزاء من جنس العمل، حيث أخبر الله عز وجل مبيناً حال هؤلاء المؤمنين في الآخرة، وأنهم يضحكون من أهل الكفر وهم ينظرون من على سررهم في الجنة، وأولئك يقاسون عذاب الهون في النار.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة المطففين، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:18-36].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمن والمؤمنات! القرآن الكريم كتاب هداية، ليس كتاب طب.. ولا تاريخ.. ولا فلسفة.. ولا قانون.. ولا.. ولا، إنه كتاب هداية، ومن مظاهر ذلك أنه يذكر مقتضيات الكمال والسعادة، ويذكر مقتضيات الشقاء والخسران، ويعرض معارض لأهل النعيم في نعيمهم تشويقاً لهم، ويعرض معارض أخرى لأهل الجحيم والعذاب تخويفاً منهم.

    فبعد أن عرض علينا حال المجرمين.. حال الكاذبين الكافرين.. حال الفاسقين الظالمين، الآن عرض علينا عرضاً جميلاً لأهل الإيمان وصالح الأعمال.

    قال عز وجل: كَلَّا [المطففين:18] وهذا رد على ما سبق إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18].

    من هم الأبرار؟

    سألنا سابقاً وقلنا: من هم الفجار؟ فعرفنا أنهم الذين فجروا عن الطريق وخرجوا عنها.. لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً.. لا ينهضون بواجب، ولا يتكلفون بتكليف.. خرجوا عن نظام وضعه الله للإسعاد والإكمال، أولئك المجرمون أولئك الفاجرون.

    من هم الأبرار؟

    فلان بار بوالديه، ما معنى بار بوالديه؟

    أولاً: يطيعهما في المعروف.

    ثانياً: يقدم لهم الخير متى طلبوه وأرادوه.

    ثالثاً: لا يؤذيهما بأي أذى.

    والبرور بالوالدين معروف عند المؤمنين، وهو أن يطيع الابن أبويه في المعروف، وأن يصل بالخير إليهما، وألا يؤذيهما بأدنى أذى، ويقال فيه: بار.

    وهنا الأبرار: جمع بار، لا يعني البار بوالديه فقط، بل أولاً: يبر بربه، ثم يبر بوالديه.

    فالبرور: الطاعة لله عز وجل ورسوله في صدق، فمن أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلم يعص أمرهما، ولم يخرج عن طاعتهما، وأحبهما، وعاش لهما ذلكم البار، وجمعه أبرار، المطيعون الصادقون.

    وهؤلاء ما لهم؟ كتابهم في عليين الآن.

    كتاب الفجار في سجين مع أرواحهم، إذا مات الفاجر هو -أي: روحه وكتبه التي سجلت عليه- أسفل في ذاك السجن العظيم الذي هو سجين.

    أما الأبرار الصالحون من عباد الله إذا مات أحدهم فإن روحه وكتابه كلاهما في عليين: إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]، وأرواحهم في عليين.

    وإذا ما زلت يا بار ما مت فإن كتابك في عليين، وسوف تلتحق روحك بعليين، وهذه فترة البرزخ، وبعد ذلك لما تنتهي هذه الدورة ويعيدنا الله من جديد بأجسام جديدة فإن الأرواح تحتل الأجسام، ونبعث لساحة فصل القضاء، أما الآن فإن أرواح الطيبين والطاهرين والله في عليين، وكتبهم التي أحصيت ودونت وكتبت في عليين، ومختوم عليها بأنهم سعداء لا يشقون.

    ثم قال تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ [المطففين:19] هذا الاستفهام لتهويل شأن عليين.

    و عِلِّيُّونَ مكان في السماء السابعة.. فيه منازل في السماء السابعة، حيث جنة المأوى، والتي فيها سدرة المنتهى. وأرواح المؤمنين والمؤمنات الآن في عليين، ما كتب عليهم وسجل من أعمالهم في عليين، انتظاراً ليوم القيامة.

    ثم قال تعالى: كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:20-21]، من أهل كل سماء يشهدون شهادة حق لأولئك المؤمنين والمؤمنات، ومقربو كل سماء يوقعون على تلك الحصيلة من الصالحات، وتحفظ أخيراً في مكان والروح معها في هذا المكان الأقدس في عليين.

    وهذه الآية تقابل إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المطففين:7-17] .

    فاطوِ هذه الصفحة، ودعك من أهل الشقاء وأحوالهم، وانتقل إلى أهل النعيم المقيم وأحوالهم، حيث قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:18-21]. فالذي يشهد ويوقع على كتابك هم المقربون من كل سماء.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088469907

    عدد مرات الحفظ

    776902133