إسلام ويب

تفسير سورة التكوير (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما كذب أهل مكة الرسول، وأعرضوا عما جاء به من الذكر الحكيم، واتهموه تارة بأنه ساحر، وتارة بأنه مجنون، لما فعلوا ذلك أنزل الله آيات عظيمة، أقسم فيها ببعض خلقه على صدق نبوة هذا النبي، وأن ما جاء به إنما هو منزل من عند رب العالمين، نزل به الروح الأمين جبريل، الذي هو موكل من ربه سبحانه بتبليغ الرسالات إلى الأنبياء والرسل.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها يوم أمس، سورة التكوير، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:15-29].

    معاشر المستمعين والمستمعات! أعيد إلى أذهانكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    فهذا الخير الموعود به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله أن جعلنا الله من أهله!

    ألسنا في بيت من بيوت الله؟ ألسنا تلونا آيات الله؟ ألسنا نتدارسها؟ بلى. انظر إلى السكينة هل هناك ضوضاء.. صخب.. صياح.. قيام.. قعود؟ لا. سكينة كاملة، الرحمة غشيتنا وغطتنا.

    هل يحدث الآن ذنب.. ظلم.. أذى؟ لا. الرحمة قائمة، الملائكة تحفنا بالحلقة من أولها إلى آخرها، كل هذا عظيم وأعظم منه أن يذكرنا الله بأسمائنا في الملكوت الأعلى. ماذا نبغي بعد هذا؟

    معاشر المستمعين والمستمعات! بالأمس ذكر تعالى اثني عشر حدثاً جللاً، أحداث عظام، ستة منها في هذه الحياة، والستة الأخرى في الحياة الثانية نعيد تلاوتها تذكيراً لمن نسي، قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] هذا الحدث الأول وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:2-6]، هذه والله لتتم واحدة بعد أخرى في هذه الدنيا قبل نهايتها.

    والستة الأخرى بعد نهاية هذه وبداية الأخرى هي قوله تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ [التكوير:7-13] هذه هي الستة الأحداث الجسام العظام التي تتم بعد نهاية هذه الحياة.

    ثم هذا الخبر العظيم الذي ذكر له اثني عشر شرطاً، قوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:14] إذا حصل كذا.. إذا حصل كذا، اثنا عشر حدثاً، إذا تمت هذه الأحداث كلها تعلم كل نفس ما أحضرت، ومن ثم تتلقى الجزاء الأوفى، الخير بمثله، والشر بمثله.

    ولما قرأ عمر هذه السورة وانتهى إلى قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:14] قال: هذه القصة كلها من أجل كلمة عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:14].

    أحداث كونية جسام، والمقصود هذا عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ [التكوير:14] ما أحضرته لتتفضل بالجزاء الأوفى وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088462546

    عدد مرات الحفظ

    776870439