إسلام ويب

تفسير سورة عبس (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن القيامة إذا قامت وعاين الناس أهوالها عندها ينشغل كل واحد بنفسه، فلا الأم ترعى ولدها، ولا الابن يحنو على أبيه، بل كل واحد منهم يفر من الآخر خشية أن يطلبه حسنة أو حسنتين، وفي ذلك اليوم العصيب ترى الوجوه المسفرة، الضاحكة المستبشرة، بما أعده الله لها من الجنة والمسرة، وترى الوجوه المكفهرة، الخاشعة المملوءة ذلة، لما أعده الله لها من النار الحامية.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة عبس. وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ * فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:24-42] بهذا ختمت سورة عبس.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أنتم الآن جلستم تطلبون العلم، ووالله لطلبكم العلم خير من طلبكم الذهب والفضة.

    هل تصدقوني؟ والله إن طلبكم هذا العلم الإلهي لخير من الدنيا وما فيها، واسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ).

    والآن ندرس العلوم والمعارف الإلهية.

    بسم الله، من القائل: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24]؟ أليس الله؟ بلى. هذا كتابه بين أيدينا.. وذاك رسوله صلى الله عليه وسلم أمام أعيننا.. وهذه مدينته.. وهذا مسجده.. كيف يكفر المؤمن؟!

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران:100] لبيك اللهم لبيك، إذا ناداكم مولاكم تسكتون.. لا تجيبونه أو تقولون: لا؟ لا. نحن غير مؤمنين؟ أعوذ بالله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] من يقول: لا.. لا؟ ما كان هذا أبداً، لن يستطيع أحد تحت الشمس أن يقول هذه الكلمات، ونحن نشاهد ما فعلت طاعة الكافرين بنا، سلختنا من ديننا وإيماننا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100].

    ثم قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] وهذا الذي أريد أن تقفوا عليه وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] كيف يتم الكفر؟ الذي تتلى عليه آيات الله يسمعها في كل ساعة ليلاً ونهاراً والرسول بين يديه كيف يمكن أن يكفر؟ كيف هذا الكلام؟

    ومعنى هذا: إن أردنا المناعة.. الحصانة.. الحفظ؛ لنحفظ أنفسنا ونحصنها من الكفر وساحته وأهله، علينا ألا نفارق الله ورسوله.

    كيف لا نفارقهما؟ أي: نتلو كتاب الله عز وجل، عندما تأخذ تقرأ في القرآن فأنت تتحدث مع الله، أؤكد لك والله لتتكلم معه، وإن أنت صليت على رسوله وسلمت، وإن أنت مشيت وراء رسوله واقتفيت آثاره أنت إذاً معه، عرف العدو هذا فحولنا إلى المراقص والملاهي والملاعب والمسابح والمقاهي والأباطيل والترهات حتى فرغنا، ولما فرغنا وأصبحنا أبقاراً حلبنا وركبنا، لما شبع منا تركنا بهائم لا نعي.. ولا نفهم.. ولا نفصح.. ولا ندرك.

    دولة الإسلام قسمناها إلى ثلاثة وأربعين دولة حتى لا يجتمع شملها ولا ترفع رايتها!

    الدين الواحد قسمناه إلى أديان.. المذهب الواحد إلى مذاهب.. الجماعة الواحدة إلى جماعات، ولا تسأل عما ترتب عن هذا من العداء والبغضاء لبعضنا.. الحسد.. النفاق.. الكبر.. الشح.. البخل.

    فلا إله إلا الله ما سبب هذا؟ إنه البعد عن الله، أبعدونا عن الله، فأطعناهم.

    والآن مع الآية الكريمة! أين علماء الطبيعة والكون؟

    أين علماء التقنية؟

    أين علماء علم النفس والفلسفة الكاذبة ليحضروا معنا في هذه الآيات.

    بالأمس قال جل جلاله: قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس:17] ثم عرض عرضاً كاملاً لتخلقة وتنشئة الإنسان مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ [عبس:18-22].

    كيف ينكر الله ويكفره وهو الفاعل فيه هذا كله؟!

    لم لا يسأل؟ لم لا يتعرف؟!

    يسأل عن البصل والثوم والبر والكرفس، ولا يسأل عمن أنعم عليه.. عمن خلقه.. عمن هو صائر إليه.. عمن حياته بيديه.. عمن لا يسعد ولا ينجو إلا بإنعامه وإفضاله عليه؟

    لماذا لا يسأل .. يعيش خمسين سنة لا يقول: كيف الله؟

    عجب هذا الإنسان! لعن هذا الإنسان.

    لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس:23] لو قضى ما أمر الله به لارتفع إلى الملكوت الأعلى، وأصبح أطهر ما يكون في هذه العوالم، لكن ما يقضي لا يريد أن ينهض بتكليف، ولا أن يقوم أبداً بواجب، ولا أن يتخلى عن باطل ولا منكر، يأبى إلا أن يتعفن ويتدرن فلا يقبل في الملكوت الأعلى.

    والآن قال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] أبى أن ينظر إلى جسمه وخلقه وتكوينه وتطويره وكيف خرج من بطن أمه.

    نسي هذا فذكرناه به!

    الآن ينظر فقط إلى طعامه، البقلاوة والحلاوة والفواكه والخضار واللحوم.. هذه من أين؟ فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] كيف تكون؟ كيف وجد؟ لماذا كان ووجد؟ من أجل من؟ فليفكر!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523850

    عدد مرات الحفظ

    777121209