إسلام ويب

تفسير سورة الشعراء (17)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما كان المشركون يدعون رسول الله أنه كاهن تارة، وأنه شاعر تارة أخرى، بين لهم سبحانه هنا أن الشياطين لا تتنزل إلا على من خبثت نفسه من الكهنة والسحرة والدجالين، وأن الشعراء في كل واد يهيمون، وفي كل فن من فنون الشعر ينظمون، أما محمد فإنه الصادق الأمين الذي يأتيه الوحي بواسطة سيد الملائكة جبريل، وقد جاء بالحق من ربه ليبلغ رسالة محددة ينتفع بها من آمن وصدق، ويحق القول على من كذب وكفر ولم يرد إلا الحياة الدنيا.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن مع سورة الشعراء المكية، فتأملوا الآيات!

    قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:221-227].

    معاشر المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء:221] سبق في الآيات الماضية أن المشركين اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن ما يقوله من القرآن هو من تنزيل الشياطين، وأبطل الله ذلك في تلك الآيات بالحجة والبراهين، وهنا يقول تعالى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ [الشعراء:221] أي: هل أخبركم خبر الصدق والحق عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء:221]؟ تَنَزَّلُ [الشعراء:221] والأصل تتنزل وحذفت التاء للتخفيف، تتنزل عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء:222]. والأفاك: الكذاب الذي يأفك الكذب.. يقلبه، كأن يقول في الرجل الصالح فاسد، وكأن يقول في الخير شر، كأن يقول في الباطل حق.. يعكس، يرد الشيء إلى نقيضه، هذا هو الأفاك والعياذ بالله الذي يكذب الكذب المقلوب.

    والأثيم: الغارق في الإثم ما خرج منه. والإثم: كل كلمة من شأنها أن تسود القلب وتعفنه!، كل معصية لله ولرسوله يقال فيها إثم، وهي تفسد القلب الإنساني وتلطخه بأوضار الذنوب والآثام، فيعمى الرجل ويصبح ميتاً لا يفرق بين الحق والباطل.. كالكافرين والمشركين.

    أبطل الله دعواهم ثم أخبر أن من تنزل عليهم الشياطين هم أصحاب الذنوب والآثام.

    وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأثم؟ والله ما كذب كذبة قط طول عمره! والله ما فعل إثماً قطاً منذ أن خلقه الله! معصوم.. من يوم ما ولدته أمه ما قارف ذنباً ولا خالط سوءاً أبداً، فكيف إذاً تنزل عليه الشياطين؟

    الشياطين تتنزل بدعواها وأخبارها وأباطيلها على أصحاب القلوب العفنة المنتنة المظلمة من أهل الشرك والكفر والآثام، أما أصحاب القلوب النقية الطاهرة والأرواح الزكية بالإيمان وصالح الأعمال فلا تستطيع الشياطين أن تنزل عليها.

    هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ [الشعراء:221] ؟ قولوا: نبئنا ربنا. الجواب: تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء:222] الذين توغلوا في الخبث والشر والفساد الشياطين تتنزل عليهم وتخبرهم بأخبار غيبية، وهذا يدخل فيه كل الكهان الذين يتصلون بالجان ويتحدثون معهم ويخدمونهم ويساعدونهم، هؤلاء الذين فسدت قلوبهم وما أصبحت كقلوب الإنسان، هؤلاء تتنزل عليهم الشياطين.

    ومن هنا دعوى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تتنزل عليه الشياطين بالقرآن دعوى باطلة لا وجود لها، والدليل: أنه معصوم من كل إثم وخطيئة، منذ أن ولدته أمه ما قارف ذنباً، فكيف تنزل عليه الشياطين وتوحي إليه؟!

    المهم أن تلك الفرية والكذبة التي قالها المشركون أبطلها الله في الآيات السابقة وزاد إنهاءً لها ولم يبق أبداً شيء يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الكذبة فقال: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء:221-222] وحاشا رسول الله أن يكون أفاكاً كذاباً، أو يكون أثيماً يقارف الذنوب والآثام، والله ما كان، فدعواهم باطلة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088545811

    عدد مرات الحفظ

    777241414