إسلام ويب

تفسير سورة المؤمنون (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من رحمة الله عز وجل وفضله أن ضمن الفوز والفلاح، والرضوان ودخول الجنان، لعباده المؤمنين، وقد ذكر الله الصفات التي ينبغي توفرها في العبد ليكون مؤمناً حقاً، ومن هذه الصفات أن يخشع قلبه وجوارحه في الصلاة، وأن يعرض عن اللغو وما لا فائدة منه من القول والعمل، وأن يؤدي ما فرض الله عليه من الحقوق المالية كالزكاة، وأن يحفظ فرجه إلا عن زوجه أو ما ملكت يمينه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن الليلة مع سورة المؤمنون المكية، وآياتها مائة وثمانية عشر آية، وهي مكية بلا خلاف، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى عشر آيات منها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها الليلة وغداً إن شاء الله تعالى.

    قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:11].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بين يدي شرح هذه الآيات أذكر لكم أن أحمد والترمذي والنسائي رووا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: كان إذا نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم يسمع عنده رجة كدوي النحل، قال: فلبثنا ساعة بعد ما شاهدنا ذلك، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: ( اللهم زدنا ولا تنقصنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم ارض عنا وأرضنا )، ثم قال بعد هذا الدعاء: ( لقد أنزل عليَّ في هذه الساعة عشر آيات، من أقامهن دخل الجنة )، أي: من عمل بمقتضاها بدون زيادة ولا نقصان، وأقامها على الوجه المطلوب دخل الجنة، وهي من قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، إلى قوله: خَالِدُونَ [المؤمنون:11].

    فمن المخبر بهذا الخبر: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]؟ أليس الله؟ بلى، هل هناك أحد أصدق من الله تعالى؟ هل يشك ذو عقل في صحة هذا الخبر؟ لا والله أبداً، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وقد علمنا أن الفلاح هو الفوز، وأن الفوز معناه: البعد عن النار ودخول الجنة دار الأبرار.

    قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، أي: فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة، قَدْ أَفْلَحَ [المؤمنون:1]، من هم؟ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، وقد تكرر عندنا بيان الإيمان والمؤمنين، فكلمة (المؤمنون) دالة على عراقة الوصف والمتانة فيه، وليس مجرد مؤمن فقط، ولم يقل: قد أفلح مؤمنون، أو قد يفلح مؤمنون، وإنما قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1]، بحق وصدق، وإن شئتم حلفت لكم بالله! فالمؤمنون بحق وصدق لا بالادعاء والنطق كما يؤمن المنافقون والكافرون.

    ثم ذكرنا غير ما مرة: أن من صفات المؤمنين قول ربنا من سورة الأنفال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2]، وهذه الصيغة صيغة حصر، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [الأنفال:2]، بحق وصدق، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ [الأنفال:2]، أي: إذا قرئت عليهم آياته، زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، فمنسوب الإيمان يرتفع بعدما كان في مستوى الانخفاض، وقد يشهد لذلك أن يقوم قائم بيننا فيتلو آيات ويعظنا بها أو يذكرنا؛ فتتجلى حقيقة زيادة الإيمان بالاستجابة له، ثم قال تعالى: وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]، أي: وعلى ربهم لا على غيره يعتمدون ويفوضون أمورهم إليه، ويعتمدون عليه، ويتوكلون عليه سبحانه وتعالى.

    وقلنا أيضاً: إن من العظات والعبر التي تتكرر في هذا المقام: صاحب الدكان في المدينة النبوية أو في مكة المكرمة يبيع الدخان والمجلات التي تحمل صور الدعارة والخلاعة، فيأتيه واعظ فيقول له: أي عبد الله! يا بني! يا أخي! لا ينبغي أن تبيع هذا المحرم في دكانك، فيعتذر ويقول: الزبائن إذا لم يجدوا الدخان لا يشترون منا! فعلى أي شيء توكل هذا؟ على بيع الدخان أو على الله؟ على بيع الدخان، ولو قلت له أيضاً: هذه المجلات التي تحمل الخلاعة والدعارة والصور الباطلة لا ينبغي أن توجد في بيت مسلم، بل ولا تحل أبداً، فكيف تعرضها أنت في الدكان؟! فيقول: الزبائن يريدون ذلك! فهذه صورة للتوكل على غير الله تعالى، وهناك صور كثيرة منها: أراد فلان أن يستورد بضاعة محرمة كهذه البرانيط التي لبستموها أبناءكم، وأصبحوا كأبناء اليهود والنصارى، فمن أجاز لبس هذه البرانيط؟ ومن أباحه؟ ومن أذن بها؟ آلله أم رسوله صلى الله عليه وسلم؟ اللهم لا الله ولا الرسول، وإنما فقط مكر اليهود والعياذ بالله! فالآن المستوردون لها يعتذرون فيقولون: إن عليها إقبالاً ورغبة! فهل توكلوا على الله تعالى؟ وكذلك صاحب البنك الربوي يقال له: حول البنك إلى مصرف إسلامي واتق الله، فيقول: لا نستطيع هكذا الدنيا، ولا بد من هذا! فعلى من توكل هذا؟ على الربا أم على الله؟

    وما زلت أقول حتى أموت: إن هذه البرانيط التي على رءوس أطفالكم لا تحل وإن أفتى من أفتى، فإني والله لعلى علم وبصيرة، وقد بينت لكم أمثلة على ذلك وقلت: استعمرتنا فرنسا نحن أهل المغرب العربي: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، فما كان يعقل أن مسلماً-وإن كان تاركاً للصلاة داعياً للباطل-يضع على رأسه برنيطة كافر! وعرفت فرنسا هذا، وأنه من ديننا، فالجندي لا تلبسه برنيطة كالجندي الكافر الفرنسي، والبوليس التركي والله على رأسه قبعة حمراء، وليس على رأسه برنيطة، فكيف لو كان يجوز لبس البرانيط في تلك الفترة؟ لارتد الآلاف وعشرات الآلاف من الناس! والآن ما زلنا نصرخ ولا تحرك أحد، فاخرج إلى خارج المسجد، بل في داخل مكة تجد البرانيط على رءوس الأطفال، والعجيب أنهم يقولون: إنها تقيهم من حر الشمس! وقلنا لهم: من أيام رسول الله إلى اليوم عاشت الأجيال هكذا في الشمس وما ضرتها، فعيب أن تقول هذه الكلمة، وضع على رأسك ما يقيك من الشمس، ولذلك هي مكرة يهودية، كيف نزعزع القلوب؟ كيف نجعل القلوب تحب الكفر وتميل إليه وتعشقه؟ فقالوا: نبدأ باللباس، والقاعدة التي وضعها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم والله لا تنخرم ولا يقطعها أحد: ( من تشبه بقوم فهو منهم )، فمن يرد هذا؟! وقلت مئات المرات: لو يجتمع علماء النفس وعلماء الطبيعة وغيرهم من العلماء على أن ينقضوا هذه الجملة التي وضعها الرسول والله ما استطاعوا! وهي أن كل من تشبه بعاهرة يصبح عاهرة، فامرأة تشبهت بعاهرة في لباسها ومشيتها والله لتصبحن عاهرة، أو شاب مسلم تشبه بكافر مغني أو عاهر والله لا يزال يفعل حتى يصبح مثله، وهكذا، والشاهد عندنا: الجهل والبعد عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ ما عرفوا الله ولا الطريق إليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531524

    عدد مرات الحفظ

    777165679