إسلام ويب

تفسير سورة المؤمنون (17)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الذين كفروا لا يكتفون بالإعراض عن الحق وتكذيب دعوة الصدق، بل يزيدون على ذلك بأذية المؤمنين، والاستهزاء بعباد الله الصالحين، فإذا كان يوم الدين وعرض الناس على الله رب العالمين، فإن الخلق يومئذ يوزنون، فمن ثقلت موازينه بالإيمان والعمل الصالح أدخل الجنان، ومن أخسر ميزانه بالكفر والتكذيب، وعمل السيئات جر إلى النيران، جزاء ما قدمت يداه في زمن العمل والإمهال.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة المؤمنون المكية فهيا بنا مع تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها إن شاء الله تعالى.

    قال تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:101-111].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ [المؤمنون:101]، أذكركم بأن السور المكية -كما علمتم- تقرر التوحيد والنبوة والبعث الآخر، أي: والحياة الثانية في الدار الآخرة، وتأملوا في هذا السياق تجدوه أنه يقرر هذا، فأولاً: أن لا إله إلا الله، وثانياً: أن محمداً رسول الله، وثالثاً: أن البعث الآخر والدار الآخرة حق.

    قوله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ [المؤمنون:101]، والصور هو البوق الذي ينفخ فيه، والذي ينفخ فيه ملك عظيم اسمه إسرافيل، والنفخات ثلاث أو أربع، فالنفخة الأولى: نفخة الفناء، إذ يتحلل كل شيء ويذوب، ولا يبقى إنس ولا جن ولا شمس ولا قمر ولا أرض ولا سماء، بل كل ذلك يذوب وينتهي، قال تعالى: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:1-5]، وقال تعالى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:1-6].

    والنفخة التي هنا في هذه الآية هي النفخة الثانية، أي: نفخة البعث والخروج من القبور والتجمع للحساب والجزاء، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ [المؤمنون:101]، أي: النفخة الثانية، فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، أي: لا يسأل أحد عن آخر، لا أم عن ابنها، ولا ابن عن أبيه، ولا ولد عن والده أبداً، ولا هذا ابن فلان ولا هذا من القبيلة الفلانية كما كانوا في الدنيا، بل كل مشغول بنفسه هل ينجو من عذاب النار ويدخل الجنة أو يخلد في النار والعذاب والعياذ بالله؟

    فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، أي: لا يسأل بعضهم بعضاً، وهنا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها عندما سألته فقالت له رضي الله عنها: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أما في ثلاثة مواطن فلا، الموطن الأول: إذا تطايرت الصحف )، أي: إذا أخذت الملائكة توزع كتب الأعمال على من في أرض المحشر، ففي هذه الحال كل مشغول بنفسه لعله يعطى كتابه بيمينه فيسعد، أو يأخذ كتابه بشماله فيهلك والعياذ بالله، وعند ذلك لا يسأل أحد عن أحد، ( وأما الموطن الثاني: إذا وضع الميزان لوزن الأعمال )، قال الله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ [المؤمنون:102-103]، وفي هذا الموطن أيضاً لا يذكر أحد أحداً، لا أب ولا أم ولا زوجة ولا زوج، ( وأما الموطن الثالث: إذا نصب الصراط على جهنم ليجتازوه إلى الجنة أو ليسقطوا في جهنم ).

    إذاً: فهذه الثلاث المواطن التي لا يذكر رجل زوجته، ولا المرأة زوجها، ولا الابن أباه، ولا الأب ابنه، فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522151

    عدد مرات الحفظ

    777108874