إسلام ويب

تفسير سورة النمل (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الإيمان بالله عز وجل هو ثمرة اتباع النبي، والتصديق بما جاء في كتاب الله العزيز، أما من لا يؤمنون بالله تعالى، ولا يصدقون برسالاته، ويجحدون أنبياءه، فإنما زين الله لهم أعمالهم ليستدرجهم، فيستمرون في ضلالهم وغوايتهم حتى يبغتهم أخذ الله وعقابه، فيرجعون إليه وإلى ما ينتظرهم من العذاب الأليم يوم القيامة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    ها نحن اليوم مع فاتحة سورة النمل، تلكم السورة المكية، ذات الآيات الثلاث والتسعون، فآياتها ثلاث وتسعون آية. فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها.

    والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ [النمل:1-5].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: طس هذه التي تسمى وتعرف بالحروف المقطعة، وهي كثيرة في كتاب الله، فبعض السور مفتتحة بها، بعضها حرف واحد مثل: ن .. ص ، وبعضها حرفان مثل: طس .. يس .. طه ، وبعضها ثلاثة أحرف مثل: الر ، وبعضها أربعة أحرف مثل: المر .. المص .

    وهذه الأحرف أهل الإسلام من أهل السنة والجماعة يفوضون أمر معناها إلى الله، فيقولون: الله أعلم بمراده بذلك؛ إذ الله تعالى يقول من سورة آل عمران: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]. فمن القرآن الكريم آيات محكمة، واضحة مبينة، فيعمل بها المؤمنون والمؤمنات، وهي الممثلة لشرائع الله وأحكامه في الإسلام والمسلمين، وبعضها استأثر الله بعلمه، ولا يعلمها إلا الله. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ : كل من عند الله، ونحن نؤمن بهذا وبهذا، كما قال تعالى عنهم: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7].

    وقد سبق فيما تقدم لنا أن ذكرنا لطيفة من اللطائف في هذه الحروف، وقلنا: كان العرب الجاهليون المشركون ينكرون القرآن وينسبونه إلى أقوال الشياطين كما تقدم، وكانوا يمنعون سماعه، ولا يسمحون لمواطن أن يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إلى أبي بكر أو إلى بلال ؛ ليسمع كلام الله، كما قال تعالى حاكياً عنهم: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]. فقد قالوا لبعضهم البعض: لا تسمعوا لهذا القرآن. ومن ضبط يسمع يؤدب ويعذب. وكانوا يقولون: إذا قرأ القارئ عليكم القرآن فالغوا أنتم بالكلام الباطل والصياح؛ حتى ما يتسرب معناه إلى أذهان السامعين، وقد جاء في سورة (حم) فصلت قول الله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، أي: يغلبون رسول الله والمؤمنين. فشاء الله عز وجل أن يفتتح عدداً من سور كتابه بهذه الحروف المقطعة التي ما عرفوها ولا سمعوا بها، فإذا قرأ القارئ كهيعص [مريم:1] يضطر الكافر إلى أن يسمع ويصغي، أو إذا قال: حم ، أو عسق لا يستطيع المشرك ألا يصغي وألا يسمع، فجذبتهم هذه. فكانت من فوائد هذه الحروف أنها تجذب الكافرين إلى سماع القرآن، وإذا أصغوا سمعوا واهتدوا، ودخلوا في الإيمان، ودخل الإيمان في قلوبهم، فآمنوا، ولذا آمن كثيرهم.

    وثانياً: لما قالوا في القرآن: سحر .. كلام شياطين .. إفك .. كذب، وغير ذلك، وقالوا ما قالوا تحداهم الله عز وجل بأن يأتوا بمثل هذا القرآن المكون من هذه الحروف، في قوله: طس .. طسم .. الم . وكأنه يقول لهم: هذا القرآن الذي كذبتم به وما آمنتم بأنه كلام الله مركب من هذه الحروف التي تنطقون بها، فألفوا أنتم كتاباً مثله. وقد جاء هذا في سورة الإسراء في قول الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] مع بعضهم البعض وتعاونوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ [الإسراء:88] العظيم والله لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].

    ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، فقال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود:13]. وعجزوا والله.

    وأخيراً تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة، مع أن هذا القرآن مركب من هذه الحروف التي ينطقون بها في كل كلامهم وأحاديثهم، فقال تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23] محمد صلى الله عليه وسلم فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24].

    فهذه هدايات الله عز وجل لهم، وقد اهتدى من شاء الله هدايته، وضل من شاء الله ضلاله.

    وقوله تعالى هنا: طس ، مكون من حرفين، طاء وسين، يكتب طس، ويقرأ طا سين. ولا نقول: هذا اسم، ولعله اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فأسماء النبي صلى الله عليه وسلم معروفة، فهو محمد صلى الله عليه وسلم، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والماحي. فهذه خمسة أسماء موجودة في الموطأ للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو محمد، وأحمد، والعاقب؛ لأنه جاء عقب الأنبياء، والحاشر، الذي تحشر الأمم على قدمه، والماحي، فقد محى كل الأديان الباطلة، وجاء بالدين الحق.

    فلا نقول إذاً هنا في قوله: طس إلا الله أعلم بمراده بذلك، مع ما عرفنا من فائدة لهذه الحروف المقطعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088469184

    عدد مرات الحفظ

    776900234