أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:59-64].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات المباركات تقرر ألوهية الله عز وجل، وأنه لا إله إلا الله إلا هو، وتقرر ربوبيته، وأنه لا رب إلا هو، وتثبت نبوة من أنزلت عليه وأوحي بها إليه، وتقرر مبدأ الحياة الثانية التي لابد منها من أجل الجزاء على الكسب في هذه الدنيا. وهي حجج قاطعة، وبراهين ساطعة، ولكن عقول البشر فهومهم غافلة عن هذه الآيات. وهم يكفرون بالله، ويؤلهون الأصنام والأحجار، ويؤلهون الشهوات والأطماع والأهواء. ويا للعجب!
قال تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59]. أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: الحمد لله. وهذا بعد أن عرض عليه كيف دمر الظالمين، وأهلك المشركين في الآيات السابقة، فقال: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [النمل:59]. وقل: وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59]. ألا وهم الأنبياء والرسل عليهم السلام.
وفي الآية لطيفة، وهي: أن من أراد أن يخطب في الناس بما يكملهم ويسعدهم ويرفع قيمتهم عليه أن يبدأ خطبته بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله، فهذه سنة القرآن، فقد قال تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59]. ومن أهل التفسير من يقول: الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59] هم أمة محمد. ونحن نقول: الصالحون من أمة محمد الداعون إلى الله الموحدون له يدخلون في هذا، وأما الجهال والضلال فلا يدخلون في هذا الشرف والكمال.
ولطيفة أخرى، وهي: أن من سلم على أخٍ له وقال: السلام عليكم، فمعناه: أنه أعطاه الأمان بألا يؤذيه. والملائكة في الجنة يسلمون على أهلها بقولهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]. وهذه سنة نبوية، فليسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، وليبدأ بالسلام الصغير على الكبير، وهكذا. وهذه سنة باقية إلى يوم الدين، وما زال المسلمون يحافظون عليها في أكثر ديارهم.
وصيغة السلام هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصيغة الرد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [النمل:59]، الحمد لله، وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى [النمل:59]، اصطفاهم، اختارهم، اجتباهم، بأن نبأهم، وأرسلهم إلى عبيده يعلمونهم كيف يكملون ويسعدون.
ثم قال تعالى في بداية الخطبة الإلهية: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59]؟ أي: هل الله خير أم ما يشركون من الأصنام والأحجار والبشر؟ فهؤلاء المعبودون ليس فيهم خير بالمرة، ولكن من باب فقط أن عابديها يظنون أن فيها خير، ولذلك قال لهم: آلله خير أم ما يشركونه مع الله في عبادته من الملائكة وعيسى ومريم والأصنام والأحجار، وكل معبود عبد من دون الله.
وهنا لطيفة علمية ذكرها القرطبي في تفسيره، وهي: قوله تعالى: فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل:60]. فقد قال بعض أهل العلم: لا يجوز أن تصور شجرة وتدعي أنك صورتها؛ لأن الله قال: مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل:60]. وعامة أهل العلم أن ما كان فيه روح يحرم قطعاً تصويره، فهو حرام بالإجماع، وما لم يكن فيه روح قد يرخص فيه كالشجر والجدار وما إلى ذلك، وأورد حديث مسلم في صحيحه إذ قال الله عز وجل: ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي ). والشجر من خلق الله، والحيوان من خلق الله. ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة ). كما في حديث مسلم .
ولهذا أنصح للمؤمنين والمؤمنات أن يبتعدوا عن التصوير مطلقاً، سواء لذوات الأرواح أو للتي لا أرواح لها، ودعوا هذا لله، إذ قال تعالى: وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل:60]. فلا تدعي أنت هذا عندما ترسم شجرة وتقول: هذه نخلة أو زيتونة.
ثم قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:60]؟ اللهم لا، فلا إله إلا الله. ولذلك قال تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل:60]، أي: يعدلون بعبادة الله عبادة الأصنام والأحجار والشهوات، ويعدلون بالإيمان بالله، الإيمان بهذه المعبودات الباطلة، فلهذا ضلوا وتاهوا، وهم في العمى يتخبطون.
وتتكرر هذه الحقيقة، هي: أنه لابد من العلم، وأن من لا يعلم لابد وأن يضل ويجهل، ويخبط ويعمى ويتخبط، فلابد من العلم، وهذا مشاهد كما نقول: أعلمنا بالله أعبدنا له وأتقانا له، وأعرفنا بالله أتقانا في عبادة لله، والذين ما عرفوا الله لا يعبدونه، بل يعبدون عبادة تقليدية عمياء، ليس فيها خشوع ولا ذل بين يدي الله أبداً، بل هم جهال، فهيا نزيح هذا الستار عن أنفسنا، بأن نحضر مجالس العلم في الليل والنهار، ونتعلم كتاب الله وهدي رسول الله؛ لنصبح عالمين. وهذه الحلقة في المدينة الآن فيها أكثر من نصف مليون، ولكن أهل المسجد أهل المدينة لا يوجدون. ووالله لو كنا صادقين لكان المسجد ممتلئاً، ولما وجدنا فيه مكاناً لتلقي العلم والمعرفة، ومن ثم ينتهي الشر والفساد والخبث.
فقال تعالى هنا: أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا [النمل:61]، أي: ثابتة قارة. وَجَعَلَ خِلالَهَا [النمل:61]، أي: وسطها أَنْهَارًا [النمل:61] من مياه عذبة، كالنيل ودجلة والفرات وغيرها. وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ [النمل:61]، أي: جبال ترسيها وتثبتها حتى لا تميد بنا وتميل. وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ [النمل:61] الملح والعذب حَاجِزًا [النمل:61] بآية من آيات الله، وليس بمادة أبداً، ولكن هذا عذب وحلو، وهذا مالح، ولا يختلطان، فقولوا: لا إله إلا الله. ولذلك قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:61]؟ اللهم لا إله إلا أنت. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النمل:61]. وهذا هو السر، وهو جهلهم الذي جعلهم يتخبطون هذا التخبط، ويقعون في المفاسد والشرور.
والمضطر هو الملجأ إلى الدعاء والطلب، كأن يكون عطشان .. ظمآن .. مريض .. خائف .. نزل به وباء .. مرض. هذا هو الاضطرار، فإذا ألجأه إلى أن يدعو ويسأل فليقل: ( اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأنه كله، لا إله إلا أنت ). ويكرر بها الدعاء، فيستجيب الله له؛ لأنه قال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]؟ وليس إلا الله.
وقوله في الدعاء: ( لا إله إلا أنت )، أي: لا معبود يستحق العبادة إلا أنت.
وهنا فالذين يدعون الأولياء ويستغيثون بهم وينادونهم: يا عبد القادر ! .. يا بدوي ! .. يا فلان! .. يا رسول الله! .. يا فاطمة ! يا حسين ! .. يا رجال البلاد! لم يعرفوا الطريق والله، وإلا لما فتحوا أفواههم وقبلوا غير الله، ولما قالوا: يا سيدنا فلان! ولكنهم عموا عن الله، ولم يروا الله. فأصبحوا يدعون فلاناً ويستغيثون به، ونسوا من يجيب المضطر إذا دعاه. وهذه ثمرة الجهل. والعدو هو الذي جهلنا، وأبعدنا عن القرآن والسنة، ووضع بين أيدينا كتباً فقهية، وقال إنها: تجزيكم وتكفيكم. فعبدنا الأولياء والصالحين مع الله، ووالله إنهم ليذبحون لهم بأسمائهم، ويتقربون إليهم حتى بالشموع، وحتى بالبناء والهدم. وهم لم بدرسوا هذه الآية، ولا قرئت عليهم، بل هذه الآية ما تقرأ إلا على الموتى، ويقرءون على الموتى كذلك ياسين والواقعة والملك، وما إلى ذلك.
وقوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62]، أي: البلاء والهم والغم، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ [النمل:62]. فالذي جعلنا خلفاء الأرض هو الله عز وجل، فنحن الآن خلفنا من سلفنا، وسوف يخلفنا غيرنا، ونصبح سلفاً له. ولا يستطيع البشر كلهم على أن يميتوا شخصاً أو يحيوا شخصاً، بل البشرية كلها الله يخلقها ويميتها، ثم لا يعبد ولا يلتفت إليه، بل ويستغاث بغيره ويتقرب إلى سواه. وهذا أمر عجب. وليس هناك أعظم من الشرك أبداً، ولكنهم ما علموا ولا عرفوا. وهم لن يعرفوا إذا لم يطلبوا العلم ويقرعوا بابه، ولن يتعلموا إلا بهذا، والذي يعيش أربعين سنة ما يسأل عن مسألة لن يتعلم.
وقوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62]، أي: قليلاً ما تذكرون والله، وإلا لما عبد مع الله إلهاً غيره، ولا وجد مع الله إلهاً غيره.
ثم قال تعالى: وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [النمل:63]؟ ورحمة الله هي المطر، والسحاب قبله، والريح هي التي تسوق السحاب، والسحاب يحمل المطر، ولذلك قال: وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ [النمل:63]؟ أي: من يرسلها؟ فلا يرسلها إلا الله. ولو نجتمع البشرية كلنا على أن ندفع ريحاً والله ما فعلنا، ولكن الله الذي يرسل الرياح، ويجعلها بشرى، أي: تحمل البشرى بقرب المطر، وإذا ما جاءت الريح ما يأتي المطر أبداً، ولا تجيء السحاب.
ثم قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63]. قولوا: تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:63]، أي: عما يشركون من أصنام وأحجار، وشهوات وأموات وعباد، وهم يشركونها بالذي خلق السموات والأرض .. بالذي هو على عرشه بائن من خلقه .. بالذي يقول للشيء: كن فيكون .. بالذي يحيي ويميت، ويعطي ويمنع. فهم يشركون به مخلوقات هو الذي خلقها. ويا للعجب!
وقوله: يَبْدَأُ الْخَلْقَ [النمل:64]، أي: في رحم الإنسان، ثم يميته، ثم يعيده كما كان. ولا يقوى على هذا إلا الله. فليخجل العبد أن يدعو غير الله، فهذا المدعو الذي يدعوه ما يملك شيئاً، بل هو مخلوق مربوب لله عز وجل، فلا تدعوه، وتغطي ربك وتستره، وتنظر إلى هذا المخلوق، وتقول: يا رسول الله! أو يا سيدي فلان! أو يا فلان! فهذا حال عجب.
وقوله: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [النمل:64]، المراد من الخلق خلق الإنسان في الرحم، فهو ما كان شيئاً، ثم كونه الله في رحم المرأة، ثم يميته ثم يعيده مرة ثانية كما كان. ولا يقوى على الخلق والإعادة إلا الله.
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [النمل:64]؟ أي: أشيروا وقولوا من يفعل هذا؟ ولا إله إلا الله! فليس إلا هو الذي يرزقنا من السماء والأرض. فهو الذي خلق النباتات، وأنزل المياه، وأنبت الأشجار، وفعل غير ذلك. وأما غيره فما فعل شيئاً، بل هو مخلوق مربوب. ولذلك قال تعالى: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:64]؟ والجواب: لا أبداً. ولذلك قال: إذاً: قل لهم: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [النمل:64] إن أصررتم على أن عيسى إله، ومريم إله، وعبد القادر إله، وفاطمة إله، وما يعبدون، فهاتوا براهينكم، وهاتوا حجة فقط على أنهم آلهة. بل هؤلاء مخلوقون مربوبون، والله خالقهم، وقد أماتهم. فإذاً: لا يسألون كما يسأل الله، ولا يعبدون كما يعبد الله.
وقوله: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64]، أي: في دعواكم أن هناك آلهة دون الله تعبد مع الله، ويتوسل بها إلى الله، وتشفع له عند الله.
وكلمة التوسل والتشفع هذه مكرة يهودية، فتجد أحدهم يقول: أنا فقط أتوسل بالرسول إلى الله، وهو يدعوه يا رسول الله! الغيث الغيث، ويا رسول الله! المدد، ويا رسول الله! أنا كذا وكذا. ولو سمعه الرسول وهو حي لغضب عليه، ولاشتد غضبه عليه. ولكن علة هذا الظلام هو: الجهل.
والسر في أننا أصبحنا هكذا: أننا هبطنا، ولذلك تمزقنا وتشتتنا واستعمرنا، وأصبحنا أذل الخلق، وأصبح اليهود أعز منا وأكرم، وأقدر منا، وهذا والله بسبب الجهل. فهم قد عرفوا، فجهلونا حتى هبطنا، والعياذ بالله.
قال: [ هداية الآيات:
من هداية هذه الآيات:
أولاً: وجوب حمد الله وشكره عند تجدد موجب الشكر ] على أية نعمة [ والحمد لله رأس الشكر ] فبمجرد أن تحصل النعمة يجب أن نقول: الحمد لله. ولما ذكر تعالى هنا كيف هدم وهزم وكسر الطغاة والظلمة من قوم لوط قال للرسول: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [النمل:59] إذاً. وقد قلت لكم: إذا أراد الإنسان أن يخطب أو يقول كلمة طيبة فعليه أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ويصلي على النبي، ثم يخطب، كما في هذه الآية.
[ ثانياً: مشروعية السلام عند ذكر الأنبياء عليهم السلام، فمن ذكر أحدهم قال عليه السلام ] فإذا ذكر نبي موسى أو عيسى أو إبراهيم أو نوح فقل: عليه السلام. وقد بينا هذه القضية غير ما مرة. وإذا ذكر محمد رسول الله فنقول: صلى الله عليه وسلم، وإذا ذكر أبو بكر أو عمر فنقول: رضي الله عنهما، وإذا ذكر مالك أو الشافعي فنقول: رحمهما الله، وإذا ذكرنا نحن فنقول: غفر الله لنا. فاعرفوا هذه. فنقول: الشيخ الجزائري غفر الله له، ومالك بن أنس رحمه الله تعالى، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيسى عليه السلام. فلا ننسى هذا.
[ ثالثاً: التنديد بالشرك والمشركين ] في الآيات كلها، وهي خمسة عشر آية، ففيها التنديد بالشرك والمشركين. والتنديد بهم أي: سبهم والتشنيع عليهم، وإبعاد الناس عنهم.
والشرك يرحمكم الله: هو أن تعبد مع الله غيره، وتشركه في عبادته. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( الدعاء عبادة ). ويقول: ( الدعاء هو العبادة ). ويقول: ( الدعاء مخ العبادة ). فمن هنا: من دعا غير الله فقد أشرك هذا المدعو مع الله في الدعاء، ومن قال: يا فلان! أعطني أو خذ بيدي أو أنا كذا فقد أشرك وهلك.
وكذلك الذبح لا يكون إلا لله، كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي [الأنعام:162]، أي: وذبحي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]. فمن قال: هذه الشاه لمولاي فلان أو لسيدي فلان فقد أشرك مع الله في هذه الذبيحة.
[ رابعاً: تقرير التوحيد بأدلته الباهرة العديدة ] وقد قرر التوحيد في هذه الآيات بالأدلة القطعية، التي قال فيها: (أمن)، وليس هناك مخلوق يفعل شيئاً من هذه المخلوقات إلا الله. إذاً: فلنقل: لا إله إلا الله! فهذه الآيات قررت التوحيد، توحيد العبادة والربوبية والألوهية والأسماء والصفات. والذين يقرءون هذه الآيات وبتأنون ويبكون عندها تتحول إلى أنوار في قلوبهم، ويصبحون لا يرون إلا الله.
[ خامساً: تقرير عقيدة البعث الآخر وإثباتها بالاستنباط من الأدلة المذكورة ] ونحن الآن قد خلقنا الله، وقبل مائة سنة والله ما كان بيننا واحد موجوداً، ثم هو الذي بعثنا وأخرجنا، وسوف يميتنا ويبعثنا البعث الآخر، فهذا بعثان أول وآخر.
وقد عرفنا ما لم يعرف غيرنا، وهو: أن السر والحكمة والعلة في البعث الآخر والحياة الثانية والله ما هي إلا الجزاء على الكسب والعمل في هذه الدنيا، وسواء أحببت أم كرهت، فليس هناك شيء يوم القيامة إلا النعيم المقيم مقابل الإيمان والعمل الصالح هنا، أو العذاب الأليم مقابل الشرك والكفر هنا. وأما هذه الدار فهي دار عمل ليل نهاراً، وأما الدار الآخرة فدار جزاء فقط، فأهل الجنة في نعيمهم، وأهل النار في عذابهم.
[ سادساً: لا تثبت الأحكام إلا بالأدلة النقلية والعقلية ] فلا تثبت الأحكام الشرعية إلا بدليل نقلي، وهو قال الله وقال رسوله، أو دليل عقلي، بأن يكون العقل يلزم بهذا ويأمر به. والأحكام الشرعية لا تقال بالرأي، بل لابد لإثباتها من قال الله وقال رسوله، أو اجتهاد واستنباط من أصحاب العقول. هذه هي الحقيقة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر