إسلام ويب

تفسير سورة النور (17)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن العبد المؤمن وقاف عند أوامر ربه عز وجل، ملتزم بالآداب التي يلزمه بها تجاه نفسه وتجاه غيره، ولما للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من الفضل والمكانة عند الله، فقد ألزم المؤمنين بالتأدب معه عليه الصلاة والسلام في سائر الشئون والمواقف، ومن ذلك لزوم استئذانه عليه الصلاة والسلام عند الحاجة للانصراف من الاجتماعات أو ما شابهها، ومن ذلك أيضاً: غض الصوت عند مناداته والتلطف في ذلك، وعدم مخالفة أوامره؛ لأن أوامره هي أوامر الله سبحانه وتعالى.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:62-64].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:62]، أي: بصدق وحق والكُمّل في إيمانهم الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]، وصدقوا الله وصدقوا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم. وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ [النور:62] يجمعهم كصلاة الجمعة، وكاجتماع لتخطيط معركة، أو لدفع معركة، أو لاتخاذ إجراءات لابد منها لحماية البلاد والعباد، فهؤلاء يجب أن لا يتفرقوا أو يخرجوا أو يتسللوا من المجلس حتى يؤذن لهم.

    إذاً: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:62] بصدق وحق الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ [النور:62]، أي: مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من ينوب عنه عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ [النور:62] لهم كصلاة الجمعة، وكاجتماعات الحضر والتخطيط لها، وما إلى ذلك مما يتطلب اجتماعهم والتشاور بينهم. ففي هذه الحال لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62] من رسول الله أو ممن ينوب عنه، فإن أذن لهم خرجوا لحاجتهم، وإن لم يأذن بقوا، ولا يحل أن يخرجوا كالمنافقين متسللين. وعمر رضي الله عنه في تبوك استأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة، فقال: اذهب؛ فإنك لست والله بمنافق، وقال: اذهب ولا تنسني من دعائك.

    إذاً: فهم لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ [النور:62] يا رسولنا! أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62] حقاً، أي: الذين يستأذنون رسول الله يطلبون الإذن منه في الانصراف أو في الخروج أو عدم الحضور، وفي الاجتماعات العامة التي يجب أن يحضرها كل المواطنين. فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور:62]. فإذا استأذنك مؤمن صادق الإيمان وطلب منك الإذن أن تسمح له أن يخرج أو لا يحضر، بل ائذن لمن شئت منهم، فإذا كان الذي استأذنك أنت في حاجة إليه، والاجتماع يتطلب وجوده وحضوره فلا تأذن، ولكن إذا لم يكن له علاقة كبيرة بالاجتماع فلا بأس أن تأذن له. فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ [النور:62]، إذ قد يعتذر الشخص بشيء كأنه متضرر، وهو لا ضرر فيه، فقد يطلب الإذن رجل بدعوى أن له شغلاً أو كذا وكذا والواقع ما هو بشيء، فيترتب عليه إثم، فاستغفر لهم يا رسول الله!

    وقوله: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور:62]، لأن هناك من لا يأذن لهم، إذ الاجتماع يتطلبهم، ولابد من حضورهم في أمور هامة جمعتهم. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62]. وهذا فيه معنى أنه قد يستأذن أحد المؤمنين بحجة ولكنها ليست حجة، فيستأذن لأجل أمر ما، ولكنه ليس مهماً، فقد ما يتركه ويحضر. فمن هنا أمره أن يستغفر الله لهم.

    فهو يأذن لمن شاء ويستغفر له الله، وما يأذن لشخص تترتب عليه الأحداث، فإذا أذن للمؤمنين بالله ورسوله فيستغفر لهم، إذ قد يكون استئذانهم ليس بحق، فقد يتخوفون من أشياء أو يظنون أن أشياء في بيوتهم أو كذا فيستأذنون، فيأذن لهم، فيأثمون، فيستغفر لهم رسولنا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088517688

    عدد مرات الحفظ

    777076931