الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
ها نحن اليوم مع فاتحة سورة الأحزاب، وهي مدنية من المدنيات، وآياتها ثلاث وسبعون آية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات الثلاث، ثم نتدارسها.
والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
بسم الله الرحمن الرحيم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
[الأحزاب:1-3].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
[الأحزاب:1]! هذا النبي الذي يناديه الرب تبارك وتعالى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النداء يقرر نبوته ويثبتها، وأنه نبي الله ورسوله، فهو يقول له:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
[الأحزاب:1]! ولم يناديه بيا أحمد! أو يا محمد! حتى لا يقول قائل: أنا الذي ناداني ربي، ولا يقول كل من اسمه محمد: أنا هو، فلهذا ما ناداه الله إلا بعنوان النبوة، فقال:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
[الأحزاب:1]! وناداه نداءين بعنوان الرسالة، أي: بقوله:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
[المائدة:41]! وجاء ذلك في سورة المائدة، وما عدا ذلك فهو بلفظ النبي، ولكن أخبر عنه بأنه رسول الله في قوله:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
[الفتح:29] صلى الله عليه وسلم.
والنبي: من نبأه الله وأخبره، وأصبح يخبر عن الله وينبئ عن الله عز وجل. وقد علمنا أن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وأما عدد الرسل فثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، أولهم نوح عليه السلام، وآخرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وسلم.
أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن له خمسة أسماء، وهي: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب، فقد أخرج
مالك في موطئه أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن له خمسة أسماء، فقال: (
أنا محمد، وأحمد، والماحي ) الذي محا به الباطل والكفر. (
والعاقب ) الذي على عقبه يجيء الناس يوم القيامة. (
والحاشر ) الذي يحشر الناس معه.
سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ...)
الأمر بتقوى الله عز وجل
تحذير الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم من طاعة الكافرين والمنافقين
قال تعالى:
وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ 
[الأحزاب:1]، فيما يعرضون عليك، ويطلبون منك من هذه الأشياء، ولا تقبلها، ولا تستجب لهم أبداً، وإنما
لا تُطِعِ الْكَافِرِينَ 
[الأحزاب:1]، كـ
أبي سفيان ومن جاء معه، والمنافقين الذين يخوفون رسول الله ويهددونه بالقتل والاغتيال وما إلى ذلك؛ إذ كان في هذا الظرف بالذات ما زال بنو النضير وبنو قريظة والمنافقون متغولين كما عرفتم عنهم، وما زالت المدينة في تعب، فقد كان المنافقون يخوفونه، ويقولون له: استجب لدعاء قريش .. افعل كذا .. نخشى عليك أن تغتال .. أن تقتل .. أن كذا، فكانوا يخفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى عليه قوله:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ 
[الأحزاب:1]. والكافرون هم المشركون، فقد كفروا بنبوة رسول الله، وكفروا بيوم القيامة، وإن آمنوا بالله فهم كافرون ومشركون. والمنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويصلون في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يخرجون إلى الغزو معه، وقلوبهم كافرة، لا تؤمن برسالة محمد، ولا بما جاء به، ولا بالدين الإسلامي، ولا بالبعث والجزاء يوم القيامة. هؤلاء هم المنافقون، وعلى رأسهم
عبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين لعنة الله عليه. ولذلك جاء هذا التوجيه الإلهي:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ 
[الأحزاب:1]، ولا تخرج عن طاعته، ولا تستجب لهؤلاء الكافرين والمنافقين، وليقولوا ما شاءوا، وليهددوا بما شاءوا، فأنت ولينا، ونحن أولياؤك، فلا ترهبهم ولا تخفهم، فنحن نكفيك ما يأتي منهم.
معنى قوله تعالى: (إن الله كان عليماً حكيماً)
قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 
[الأحزاب:1]. فأولاً: الله عليم بكل ما في قلوب القوم، وعليم بما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان في قلب الرسول خوف أو حيرة أو تردد فالله عليم به، وعليم بما جاء به المنافقون، وما ادعوه من الأقوال الباطلة، وعليم بما قالوه، وحكيم في شرعه وتقنينه، فلا يضع الشيء إلا في موضعه. ومن هنا سلم لنا يا رسول الله! واترك هؤلاء؛ فإننا عالمون حاكمون حكماء، نضع كل شيء في موضعه. فطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدأ ضميره بقوله:
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 
[الأحزاب:1].
قال تعالى:
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 
[الأحزاب:3]. فأمره أن يتوكل على الله. وهذه الآية تنطبق على حكام العالم الإسلامي، الذين خافوا أن يطبقوا شرع الله، وخافوا من الكفار ومن اليهود والنصارى والكافرين. فليتوكلوا على الله، ولا يخافوا إلا الله، كما علم الله رسوله وهو ضعيف كما تعرفون، فقد كان الكفار من حوله، والمنافقون بين يديه، وما سمح الله له أن يتنازل بكلمة يرضي بها الكافرين. وحكامنا تنازلوا عن تحكيم الشريعة بكاملها؛ بحجة أن الوقت غير وقت الشريعة، وأن الكفار أعداءنا أقوياء، ونحن ضعفاء، وغير ذلك.
وهذا سببه عدم التوكل على الله. وقد توكل على الله عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وطبق الشريعة، فقطع اليد وقتل القاتل ورجم الزاني، ولم يكن يوجد في العالم الإسلامي دولة إسلامية، بل كان كله تحت الاستعمار. وهذا عجب. فهو يوم دخل المملكة وطبق الشريعة لم يكن يوجد قطر إسلامي ليس مستعمراً، بل كانت كل البلاد مستعمرة، وما خاف أبداً إلا الله، وتوكل عليه وطبق شرعه، ولم يمسه سوء بسبب هذا، وهم يتكالبوا عليه، ولا مسحوه من الأرض؛ لأن الله كفاه بعد أن توكل عليه. ومن توكل على الله كفاه.
ومن هنا معشر الأبناء! يجب أن نجعل هذه بين أعيننا، فإذا اعترض عملنا عارض فيه سخط الله فيجب أن نتخلى عنه، ونتوكل على الله عز وجل، ولا نخاف الفقر ولا السجن ولا العذاب.
وقوله:
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
[الأحزاب:3]، يأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك التأديب الذي تقدم أن يعتمد على الله عز وجل، وألا يعتمد على القوة المادية أبداً، ولا يرهب العدو ولا يخافه، ولا يعطيه كلمة واحدة ترضيه.
ثم ختم تعالى الآية بقوله:
وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
[الأحزاب:3]. فهو يكفيك يا عبد الله! إن اتكلت على الله، وتكفيك وكالته، فهو وكيلك، والوكيل يدفع عن موكله كل سوء، ويدفع عنه كل ضرر، ويدفع عنه كل باطل. فكن فقط وحقاً عبداً له واتقه وتوكل عليه، والله ليكفيك، وهو وكيلك يدفع عنك كل سوء. ولذلك قال:
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
[الأحزاب:3]، أي: وكفى بالله وكيلاً لمن توكل عليه.
معنى التوكل
معنى الآيات
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:
[ من هداية الآيات:
أولاً: وجوب تقوى الله تعالى بفعل المأمور به وترك المنهي عنه ] ففي الآية الأولى هداية، وهي: وجوب تقوى الله عز وجل على كل مؤمن ومؤمنة، وتقوى الله تكون بطاعة الله ورسوله، وذلك بفعل ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، ولا تقوى إلا بهذا. ولن نتقي الله بشيء أبداً إلا بطاعته وطاعة رسوله المتمثلة في فعل الأوامر القادر عليها، واجتناب المحرمات والمنهيات، وكلنا قادر على تركها.
[ ثانياً: حرمة طاعة الكافرين والمنافقين فيما يقترحون ] ويعرضون، ويطالبون به المؤمنين [ أو يهددون من أجله ] فيجب ألا نطيعهم في ذلك، ولا نستجيب لهم، وإن هددوا وإن خوفوا، وقد هددوا رسول الله وخوفوه، وأمره الله أن يثبت ولا يستجيب لهم.
[ ثالثاً ] وأخيراً: [ وجوب اتباع الكتاب والسنة ] فعلاً وتركاً، وأدباً وخلقاً [ والتوكل على الله، والمضي في ذلك بلا خوف ولا وجل ] فيجب اتباع الكتاب والسنة وعدم الإعراض عنهما، وفي ذلك خير كبير لمن وفقه الله لذلك، فلا فرقة ولا خلاف بيننا أبداً، ولا مذهبية ولا طائفية ولا إقليمية، بل نحن المسلمون شعارنا تقوى الله عز وجل، وفعل المأمور وترك المنهي.