إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن انتهت معركة أحد بنتائجها المعروفة ظن المشركون في مكة أن الفرصة قد واتتهم لابتزاز النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يستغلوا هذه الفرصة فأرسلوا وفداً برئاسة أبي سفيان ليفاوضوا النبي على تركه ذكر سب آلهتهم والنيل منها، على أن يقبلوا منه بعض ما جاء به، فأنزل الله عز وجل آيات ينهى فيها نبيه عن طاعة الكافرين والمنافقين فيما أرادوا منه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    ها نحن اليوم مع فاتحة سورة الأحزاب، وهي مدنية من المدنيات، وآياتها ثلاث وسبعون آية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات الثلاث، ثم نتدارسها.

    والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:1-3].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:1]! هذا النبي الذي يناديه الرب تبارك وتعالى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النداء يقرر نبوته ويثبتها، وأنه نبي الله ورسوله، فهو يقول له: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:1]! ولم يناديه بيا أحمد! أو يا محمد! حتى لا يقول قائل: أنا الذي ناداني ربي، ولا يقول كل من اسمه محمد: أنا هو، فلهذا ما ناداه الله إلا بعنوان النبوة، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:1]! وناداه نداءين بعنوان الرسالة، أي: بقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]! وجاء ذلك في سورة المائدة، وما عدا ذلك فهو بلفظ النبي، ولكن أخبر عنه بأنه رسول الله في قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح:29] صلى الله عليه وسلم.

    والنبي: من نبأه الله وأخبره، وأصبح يخبر عن الله وينبئ عن الله عز وجل. وقد علمنا أن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، وأما عدد الرسل فثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، أولهم نوح عليه السلام، وآخرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وسلم.

    أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

    أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن له خمسة أسماء، وهي: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب، فقد أخرج مالك في موطئه أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن له خمسة أسماء، فقال: ( أنا محمد، وأحمد، والماحي ) الذي محا به الباطل والكفر. ( والعاقب ) الذي على عقبه يجيء الناس يوم القيامة. ( والحاشر ) الذي يحشر الناس معه.

    سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ...)

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:1]! وقد ناداه ليأمره بتقواه والتوكل عليه، فقال له: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ [الأحزاب:1]. ونزول هذه الآية له سبب، وهو: أنه لما انتهت معركة أحد وانتصر فيها المشركون، جاء وفد برئاسة أبي سفيان رضي الله عنه -إذ أحسن وحسن إسلامه، فنقول: رضي الله عنه- ومعه بعض رجالاته، وجاءوا إلى المدينة، ونزلوا عند ابن أبي رئيس المنافقين، وطلب لهم من رسول الله الأمان، فأمنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بألا يمسهم سوء في المدينة، فجاءوا يعرضون عليه؛ ظناً منهم أنه لما حصلت الهزيمة أن الرسول سيتنازل اليوم عن بعض دينه، فطلبوا منه ألا يذم آلهتهم، ولا يذكر اللات ولا العزى ولا مناة بسوء، وحينئذٍ يقتربون منه، ويتفقون معه على بعض ما جاء به. وهذا العرض الباطل حذر منه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في سورة بني إسرائيل: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء:73]، أي: صديقاً وصاحباً إن تنازل عن ذكر آلهتهم بسوء. فلما عرضوا عليه هذا العرض أنزل الله تعالى هذه الآيات الثلاث، فقال له: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1].

    الأمر بتقوى الله عز وجل

    قال تعالى: (( اتَّقِ اللَّهَ ))[الأحزاب:1]، أي: دم على تقواه، ولا تتخلف عنها أبداً، ولا تغتر بهذه الأقوال والأباطيل، فاتق الله والزم تقواه، وإن كان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن كل مؤمن ومؤمنة مأمور بتقوى الله عز وجل؛ إذا نادانا بقوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:102].

    تحذير الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم من طاعة الكافرين والمنافقين

    قال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ [الأحزاب:1]، فيما يعرضون عليك، ويطلبون منك من هذه الأشياء، ولا تقبلها، ولا تستجب لهم أبداً، وإنما لا تُطِعِ الْكَافِرِينَ [الأحزاب:1]، كـأبي سفيان ومن جاء معه، والمنافقين الذين يخوفون رسول الله ويهددونه بالقتل والاغتيال وما إلى ذلك؛ إذ كان في هذا الظرف بالذات ما زال بنو النضير وبنو قريظة والمنافقون متغولين كما عرفتم عنهم، وما زالت المدينة في تعب، فقد كان المنافقون يخوفونه، ويقولون له: استجب لدعاء قريش .. افعل كذا .. نخشى عليك أن تغتال .. أن تقتل .. أن كذا، فكانوا يخفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى عليه قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [الأحزاب:1]. والكافرون هم المشركون، فقد كفروا بنبوة رسول الله، وكفروا بيوم القيامة، وإن آمنوا بالله فهم كافرون ومشركون. والمنافقون هم الذين يظهرون الإيمان ويصلون في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يخرجون إلى الغزو معه، وقلوبهم كافرة، لا تؤمن برسالة محمد، ولا بما جاء به، ولا بالدين الإسلامي، ولا بالبعث والجزاء يوم القيامة. هؤلاء هم المنافقون، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين لعنة الله عليه. ولذلك جاء هذا التوجيه الإلهي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:1]، ولا تخرج عن طاعته، ولا تستجب لهؤلاء الكافرين والمنافقين، وليقولوا ما شاءوا، وليهددوا بما شاءوا، فأنت ولينا، ونحن أولياؤك، فلا ترهبهم ولا تخفهم، فنحن نكفيك ما يأتي منهم.

    معنى قوله تعالى: (إن الله كان عليماً حكيماً)

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1]. فأولاً: الله عليم بكل ما في قلوب القوم، وعليم بما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان في قلب الرسول خوف أو حيرة أو تردد فالله عليم به، وعليم بما جاء به المنافقون، وما ادعوه من الأقوال الباطلة، وعليم بما قالوه، وحكيم في شرعه وتقنينه، فلا يضع الشيء إلا في موضعه. ومن هنا سلم لنا يا رسول الله! واترك هؤلاء؛ فإننا عالمون حاكمون حكماء، نضع كل شيء في موضعه. فطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدأ ضميره بقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الأحزاب:1].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088525545

    عدد مرات الحفظ

    777129509