قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:
[ من هداية ] هذه [ الآيات:
أولاً: بيان إكرام الله تعالى لرسوله بالتيسير والتسهيل عليه؛ لكثرة مهامه ] وعظم مهامه التي ينهض بها ويقوم بها ليل نهاراً، فخفف الله عنه، وأذن له أن يدخل على من شاء من نسائه، ويعتزل من شاء من نسائه.
[ ثانياً: ما خير الله فيه رسوله لا يصح لأحد من المسلمين، اللهم إلا أن يقول الرجل للمرأة كبيرة السن أو المريضة: أي فلانة! إني أريد أن أتزوج، أحصن نفسي، وأنت كما تعلمين عاجزة، فإن شئت طلقتك، وإن شئت تنازلت عن ليلتك، فإن اختارت البقاء مع التنازل عن حقها في الفراش فلا بأس بذلك ] فقد خير الله تعالى رسوله من أنه إن شاء بات عند حفصة أو فلانة أو فلانة، ولا يقسم. وهذا لا يحل لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن كان تحته ثلاث نسوة .. أربع .. امرأتان فلابد أن يجعل لكل واحدة ليلة، ولا يحل أن يفعل كما أذن الله لرسوله، إن شاء عند فلانة، وإن شاء عند فلانة. ونحن دون الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يأذن لنا أن نتزوج اثنين أو ثلاثة أو أربعة ثم نختار واحدة نبيت عندها ثلاثة ليالٍ، وأخرى ما نبيت عندها إلا ليلة واحدة. فهذا القسم حرام، بل يجب كل ليلة عند واحدة. فإن كان عندك امرأتان فالخميس عند خديجة والجمعة عند عائشة، وإن كان عندك ثلاث فالسبت عند فلانة، وهكذا طول العام. فاعرفوا هذا. فنحن لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما خيرنا الله، اللهم إلا إذا كانت الزوجة الواحدة مريضة أو كبيرة السن ما ترغب في الجماع، ففي هذه الحالة أنت مضطر، فتقول لها: إن شئت جعلت لك ليلة، وتنازلت عن الليالي الباقية لامرأتي الجديدة، وإن شئت طلقتك؛ لأني أريد أن أحصن نفسي من الوقوع في الفاحشة. فهذا مأذون فيه.
[ ثالثاً: في تدبير الله لرسوله وزوجاته من الفوائد والمصالح ما لا يقادر قدره.
رابعاً: تقرير مبدأ ما ترك أحد شيئا لله إلا عوضه الله خيراً منه. تجلى هذا في اختيار نساء رسوله الله صلى الله عليه وسلم لله ورسوله والدار الآخرة ] وهذه قاعدة تكررت، فاسمعوا عباد الله!: ما ترك عبد أو أمة إنسان ذكر أو أثنى لله شيئاً -أي: من أجل الله شيء- إلا عوضه الله خيراً منه والله العظيم. وجرب وسترى.
[ خامساً: وجوب مراقبة الله تعالى، وعدم التفكير في الخروج عن طاعته بحال من الأحول ].
وهناك [ تنبيه هام: إذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالزواج بأكثر من أربع كان لحكمٍ عالية، وكيف والمشرع هو الله العليم الحكيم؟ من تلك الحكم العالية ما يلي:
أولاً: اقتضاء التشريع الخاص بالنساء ومنه ما لا يطلع عليه إلا الزوجان. تعدد الزوجات ليروين الأحكام الخاصة بالنساء، ولصحة الرواية وقبولها في الأمة تعدد الطرق، وكثرة الرواة والروايات ] فهذا من حكم تعدد الزوجات.
[ ثانياً: تطلب الدعوة الإسلامية في أيامها الأولى مناصرين لها أقوياء، ولا أفضل من أصهار الرجل الداعي ] فكان الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى أصهار وأقرباء، وإلى من يقف إلى جنبه [ فإنهم بحكم العرف يقفون إلى جنب صهرهم محقاً أو مبطلاً كان ] فلما أذن الله له في أن يتزوج التسع فمعنى هذا: أن كل واحدة لها أقرباء ولها أولياء، وكلهم أصبحوا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه من الحكمة. وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى أن يكون له أمة، فتزوج التسع حتى يصبح له جيشاً كاملاً من أصهاره.
[ ثالثاً: أن المؤمنين لا أحب إليهم من مصاهرة نبي الله ] وهذا صحيح، فأي مؤمن يحب أن يكون صهراً للرسول صلى الله عليه وسلم، ووالله لو كنا وأزواجنا وأولادنا خدماً لرسول الله لكان خيراً لنا. ولو أن الله ما حدد للرسول التسع لكان كل واحد يقول له: يا رسول الله! هذه بنتي أو هذه أختي تزوجها؛ ذلك [ ليظفروا بالدخول عليه في بيته والخلوة به. وما أعزها! فأي المؤمنين من لا يرغب أن تكون أمه أو أخته أو بنته أماً لكل المؤمنين؟ إني والله لا أحب إلي من أن أكون أنا وزوجتي وسائر أولادي خدماً في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ] والله [ فلذا وسع الله على رسوله؛ ليتسع على الأقل للأرامل وربات الشرف؛ حتى لا يدنس شرفهن ] والله أكبر!
[ رابعاً: قد يحتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكافأة بعض من أحسن إليه، ولم يجد ما يكافئه به، ويراه راغباً في مصاهرته ] بأن يتزوج بنته [ فيجيبه لذلك، ومن هذا زواجه بكل من عائشة بنت الصديق ] فهو ما تزوج عائشة إلا إكراماً لـأبي بكر ، فقد أراد أن يرد إليه بعض الخير [ وحفصة بنت الفاروق رضي الله عنهم أجمعين ] فما تزوج حفصة من عمر إلا بعد أن أراد أن يكرم عمر ، ويرد عليه خيره.
[ خامساً ] وأخيراً: [ قد زوجه ربه بـزينب ، وهو كاره لذلك، يتهرب منه؛ خشية قالة الناس، وما كانوا يعدونه منكراً، وهو التزوج بامرأة الدعي المتبنى بعد طلاقها أو موت زوجها.
هذه بعض الحكم التي اقتضت الإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التزوج أكثر من أربع، مع عامل آخر مهم، وهو قدرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على العدل والكفاية، الأمر الذي لن يكون لغيره أبداً ] ولم يكن لأحد القدرة على الجماع كما للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا أحد له تلك القدرة، ولا يقوى عليها، فلهذا أذن له في أن يتزوج تسعاً وما شاء.