إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (15)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسعاً من النسوة، وكان يقسم عليهن الليالي بالتساوي، إلا أن الله عز وجل أذن له في عدم الترتيب بينهن، ومن إكرام الله عز وجل لهؤلاء المؤمنات الطاهرات أن حرم على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يضيف إليهن زوجة أخرى من غيرهن، ولا أن يتبدل بواحدة منهن زوجة أخرى، وأذن له في ملك اليمين، حتى تقر بذلك أعينهن ويرضين بما آتاهن الله.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا * لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:51-52].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أنه تقدم في الآيات المباركة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعثن بـعائشة تطلب لهن التوسعة في النفقة، لما رأين نساء المهاجرين والأنصار بعد الفتوحات وكثرة الأموال، ورأين أنفسهن ما زلن يعشن في الضيق، فبعثن عائشة لتقول هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتألم رسول الله لذلك وكرب، واعتزلهن شهراً كاملاً في حجرة أو مشربة، وبعد ذلك أخبره الله تعالى بل أنزل عليه أن يخيرهن بين أن يخترن الله ورسوله والدار الآخرة، أو يخترن الدنيا وما فيها، فإن اخترن الدنيا طلقهن، وليفعلن ما شئن، وإن اخترن الله والدار الآخرة وذلك خير لهن ورضين بذلك الفقر وتلك الحاجة بقين. فهنا فتح الله تعالى لرسوله المجال؛ لأنه يعاني، ولا نستطيع أن نبين ذلك، أو نضرب له مثلاً. وهو رسول الله إلى البشرية كافة، يتلقى معالمه ومعارفه من السماء، وكان ينزل عليه جبريل بالوحي، وكان قيام الليل واجب عليه، والجهاد فريضة عليه.

    وهنا أراد الله أن يخفف عنه، فقال له: تُرْجِي [الأحزاب:51]، أي: تؤجل وتؤخر من تشاء من نسائك، والذي كان عليه وهو الفرض أن كل ليلة لزوجة، وكن تسع زوجات، فكان يوزع عليهن تسع ليالٍ، ليلة لـعائشة ، وليلة لـحفصة ، وليلة لفلانة، وهكذا. وكان ملجأ لهذا ومضطراً. وهذا مع ما يعانيه ويقاسيه من شدائد وأهوال، وجهاد وحياة، وغير ذلك. وهذا فيه مشقة عليه، ولا يطيقه ولا يقدر عليه، فخفف الله تعالى عنه رحمة به وإكراماً له ولأمته، فقال له: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] من نسائك التسع. وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]. فإن شئت ليلة عند عائشة ، وبعد ثلاث ليالي تعود إليها لا حرج. و تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51] من نسائك التسع المؤمنات الصالحات، اللائي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الدنيا وشهواتها وما فيها من لذائذ. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ [الأحزاب:51]. وكذلك إذا عزلتها هذه الليلة وابتغيتها الليلة الآتية فلا بأس، فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51]، ولا إثم ولا تضييق، ولا معاناة ولا قسوة أبداً؛ رحمة من الله بك. فهذه رحمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال له: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ [الأحزاب:51].

    ثم قال تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51]. وهذا التنظيم الجديد والإذن الإلهي الجديد فيه ما فيه من الخير لنساء الرسول صلى الله عليه وسلم، ذَلِكَ أَدْنَى [الأحزاب:51]، أي: أقرب أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51]. فأذن له بجواز ألا يلتزم كل ليلة بأخرى، كما هو واجب كل النساء والرجال، وهذا تخفيفاً عليه ورحمة به، فقال له: أنت مخير في هذه التي تريدها لتبيت عندها. ويكون هذا لهن أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ [الأحزاب:51]. وتفرح ولا تحزن ولا تكرب، وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ [الأحزاب:51]، أي: التسع. وهذا حكم الله وقضاؤه وتدبيره، وكان كذلك. فما تألمت واحدة أبداً، ومع هذا واصل ذلك العدل مع كل امرأة في ليلتها، إلا ليالي أيام المرض استأذن من نسائه أن يمرض في بيت عائشة فقط، ودون هذا بقي على ما كان عليه؛ لكمال خلقه وآدابه ورحمته.

    ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [الأحزاب:51] أيها المؤمنين! من حب النساء والشهوة، وما إلى ذلك، وحب المرأة لزوجها، وما تريده منه. وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [الأحزاب:51] بنا حَلِيمًا [الأحزاب:51] علينا. وهو سبحانه وتعالى تشريعه كله هدى وخير ورحمة؛ لعلمه ورحمته وحلمه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088526893

    عدد مرات الحفظ

    777138538