أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِين ٍ * وَأَبْصِرْهُم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ * وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:171-182].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [الصافات:171]، يخبر تعالى أن وعده الذي وعد به عباده المؤمنين وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلين لا بد وأن ينفذ، ولا بد من نصر الله لأوليائه على أعدائه وأعدائهم، فهو يقول: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [الصافات:171]. وهم الرسل. وقد عرفنا أن عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً. وهؤلاء الرسل لم يقتل منهم أحد، ولم يقو أحد منهم على قتل أحد، ولا أمة اتحدت عليهم وقتلوا أحداً، بخلاف الأنبياء فقد قتل منهم المئات، وأما الرسل فهم محفوظون معصومون.
وهكذا نصر الله جند المسلمين في الشرق والغرب، وما وصل الإسلام إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الغرب بالطائرات والمدافع، بل بجهاد المجاهدين، وصدق الله العظيم في قوله: وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173].
قال تعالى: وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ [الصافات:179]. وسوف يشاهدون العذاب وما ينزل بهم.
وقوله: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ [الصافات:180] والقوة والقدرة والجلال والكمال عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180]، من أن يكون له زوجة، أو أنه ولد ولداً، أو أن عيسى ولده أو العزير، أو أن الملائكة بنات الله، وكانوا يرددون هذه الأقاويل المنتنة العفنة الباطلة، وإلى اليوم اليهود والنصارى يرددونها.
فتنزه الله وتقدس عن كل سوء، ومن أن يكون له زوجة، أو يكون له ولد، بل هو الذي خلق البشرية كلها، فهو لا يحتاج إلى زوجة، ولا يعقل هذا الكلام. والذي خلق البشرية كلها لا يحتاج إلى ولد، ولا ليقول: هذا ولدي. وهو الذي خلق الملائكة، ولا يحصي عددهم إلا هو، فهو لا يحتاج إلى ولد ولا إلى صاحبة، بل كما قال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180] من هذه الأباطيل والترهات، ومن أن يكون له ولد أو زوجة، أو من أن يكون الملائكة بنات الله، أو يكون له شريك وشركاء يصنعون معه ويعملون. فتنزه الله عن هذا وتقدس.
معاشر المستمعين! هنا لطيفة علمية، وهي:
أولاً: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مجلس ويقوم إلا قرأ هذه الآية: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]. فهيا بنا نطبقها من الليلة. فإذا كنت جالساً وأردت أن تقوم فقل: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]. وكذلك من كان في مجلس وأراد أن يقوم يقول: ( سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ). ويقرأ هذه الآية.
ثانياً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ما مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]. فهذه ثلاث آيات، وهي: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ [الصافات:180] آية، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات:181] الآية الثانية، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:182] الآية الثالثة.
وإذا صلى بها المؤمن النافلة فهي مجزئة وكافية، وإن زادها مع سورة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فله ذلك.
وكذلك من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فعليه بهذه الكلمة: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].
وخلاصة القول: هذه الآيات الثلاث ما ننساها، فنصلي بها، ونختم بها القرآن، ونختم بها العبادة، ونختم بها القيام. والليلة إذا فرغنا من الدرس نقول: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]. ولنعم ما وفقنا إليه في ليلتنا هذه.
[ من هداية ] هذه [ الآيات:
أولاً: تقرير النبوة المحمدية ] فالله هو الذي قال لرسوله: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ [الصافات:174]. ولولا أنه نبيه ورسوله يخاطبه. وهذه الآيات كلها خاطب الله بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو لم كان عبداً وليس برسول لما خاطبه بها. والسور المكية كما علمتم تقرر النبوة والتوحيد والبعث الآخر.
فوالله إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي لرسول الله، أرسله إلى الناس كافة، والمكذبون الآن ملايين البشر من اليهود والنصارى والعجم، فهم ما يؤمنون بأن محمداً رسول، ولو آمنوا بأنه رسول الله لاتبعوه ودخلوا في الإسلام، ولكنهم إلى الآن يكذبون.
[ ثانياً: وعد الله تعالى لرسوله ] صلى الله عليه وسلم [ بالنصر، وقد أنجزه ما وعده، والحمد لله ] فقد نصر الله دينه ونصر رسوله، وقُبض صلى الله عليه وسلم في المدينة والإسلام قد ملأ الكون كله، والجزيرة كلها.
[ ثالثاً: استحباب ختم الدعاء أو الكلام بقراءة جملة: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182]؛ لورود ذلك في السنة ] فلما تدعو الله اختم الدعاء بقول: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ [الصافات:180]. وختم الدعاء أو الكلام أو الدرس أو الصلاة بهذه الثلاث الآيات فيها أجر كبير؛ لورود الحديث الصحيح في ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر