إسلام ويب

تفسير سورة الصافات (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خلق الله عز وجل آدم عليه السلام من طين، وجعل ذريته من ماء مهين، ثم بعد ذلك يأتي المكذبون فيجحدون، وللبعث يوم القيامة ينكرون، مستبعدين أن يرجع من صار تراباً إلى الحياة، فبين الله لهم أن من خلقهم أول مرة قادر على أن يعيدهم الكرة الأخرى، فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم يعاينون ما كانوا به يكذبون.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ * بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ * وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [الصافات:11-21].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تذكرون أن هذه السورة مكية كما علمتم بالأمس، وأن السور المكية تعالج العقيدة؛ لتصححها ويصبح صاحبها حياً كامل الحياة، يسمع ويبصر، ويعطي ويأخذ، ويذهب ويجيء؛ لكمال حياته.

    وعلمتم أن أعظم أركان العقيدة: التوحيد، وتقرير مبدأ لا إله إلا الله، وثانياً: إثبات النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وثالثاً: الإيمان بالبعث الآخر يوم القيامة. وهذا شأن السور المكية في غالبها.

    وها نحن مع هذه السورة، فاسمع ما يقول تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ [الصافات:11]. يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: استفت هؤلاء المنكرين للبعث والحياة الثانية، والمكذبين بالبعث والنشور، واستخبرهم واستفتهم، وقل لهم: أأنتم أشد خلقاً أم من خلق السماء؟ فاستفتهم واستخبرهم واسألهم، وقل لهم: أنتم أشد خلقاً أم الله الذي خلق السماء وخلق كل شيء؟ والجواب: نحن خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ [الصافات:11]. وهذا الخلق لا يعادل خلق الشمس فقط، فكيف بالسماوات السبع وما فيهما وما بينهما؟

    وقد خاطبهم بخطاب العقل، فهو يقول: أنتم تنكرون الحياة الثانية، وتكذبون بالبعث والدار الآخرة، وتقولون: كيف إذا متنا نحيا من جديد؟ والله عز وجل ليس بعاجز عن ذلك، بل هو على كل شيء قدير، ومن باب العلم والمنطق لستم أشد خلقاً مما خلق الله عز وجل من الملكوت، بل ما خلق الله أعظم. وقد قلت لكم: إن خلقهم ما يساوي الشمس أو القمر، فالشمس أكبر من الأرض مليون ونصف مليون مرة. ولذلك قال: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا [الصافات:11] نحن؟ أي: رب العزة والجلال والكمال.

    ثم يقول: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ [الصافات:11] لاصق في اليد. فالطين اللازب هو الذي يلصق في اليد. وهذه هي الطينة التي خلق الله منها آدم، فهو تراب وخلط بالماء فأصبح طيناً، وأصبح يلصق باليد، فخلقه من طين لازب، ولذلك قال: إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ [الصافات:11]. ثم هم يكذبون بالبعث والدار الآخرة، بل ويقولون: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ [الصافات:16-17]. وهذه كلمات المشركين في مكة، المكذبين بالبعث والدار الآخرة.

    والتكذيب بالبعث والدار الآخرة سببه العناد والإصرار على الذنوب والآثام؛ لأن من آمن بأنه سيبعث حياً ويسأل ويستجوب ويعذب أو يرحم والله ما يستطيع أن يستمر على الكفر والشرك والمعاصي، ولكن لكي يواصلوا إجرامهم وفسادهم وشرهم يكذبون بالدار الآخرة، ولا يؤمنوا بهذه الدار. وهذه الآيات تقرر البعث والدار الآخرة. ولذلك قال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ يا رسولنا! وقل لهم: أأنتم أشد خلقاً أمن خلق الله من هذه المخلوقات؟ والجواب: قطعاً ما خلق الله أعظم وأشد، وليس هناك قيمة للبشرية هذه بالنسبة إلى ما خلق الله في الملكوت.

    ثم أعلمهم أن الله خلقهم، أي: خلق أباهم آدم من طين لازب، ثم بعد ذلك تناسلوا بنطفة المني في رحم المرأة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530148

    عدد مرات الحفظ

    777154439